( صلى الله عليه وآله ) كان يعامل عدوَّه بالعدل والرأفة ، ولم يكن من الذين تحجب العداوة بصائرهم ، ويُعمي الإنتصار أعْيُنَهم عن رعاية الحق والعدل .
وبإمكاننا أن نلمس ذلك في توجيهاته إلى أُمراء السرايا ، فإنّه كان إذا أراد أن يبعث سرية ، دعاهم فأجلسهم بين يديه ، وقال : « سيروا باسم الله ، وبالله ، وفي سبيل الله ، وعلى مِلَّة رسول الله ، لا تَغُلُّوا » (١) ، ولا تُمَثِّلوا ، ولا تغدُروا ، ولا تقتلوا شيخاً فانياً ، ولا صبياً ، ولا امرأة ، ولا تقطعوا شجرة إلّا أن تضطروا إليها ، وأَيُّما رجل مِنْ أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جارٌ ، حتى يسمع كلام الله ، فإن تَبِعَكُم ، فأخوكم بالدين ، وإن أبى فأبلغوه مَأْمَنَهُ ، واستعينوا بالله » .
وفي روايةٍ أنّ النبي كان إذا بعث أميراً له على سرية ، أمره بتقوى الله عز وجل في خاصّة نفسه ، ثم في أصحابه عامة ، ثم يقول : أُغزوا باسم الله ، وفي سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، لا تغدروا ، ولا تَغُلّوا ، ولا تُمَثِّلوا ، ولا تقتلوا وليداً ولا مُتَبَتِّلاً في شاهق ، ولا تحرقوا النخل ولا تغرقوه بالماء ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تحرقوا زرعاً لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه . وإذا لقيتم عدواً للمسلمين فادعوهم إلى إحدى ثلاث ، فإن هم أجابوكم إليها فاقبلوا منهم وكفّوا عنهم الخ . . . » (٢) .
ولقد كان النبي الأكرم يتحرز عن التذرع بوسائل غير واقعية ، حتى لو كانت الوسيلة مفيدة ونافعة لأهدافه الشخصية ، وشخصيته الإجتماعية ، بل كان يناهضها ، ويبطلها ، ليستقيم الناس على جادة الواقع والحق .
فنحن نرى أنّ السياسيين المتصدرين لكراسي الرئاسة ، يتجاوبون مع عقائد الناس وإن كانت مخالفة لعقيدتهم ، وذلك للتحفظ على مناصبهم وعروشهم .
__________________
(١) من الغَلّ ، وهو الخيانة والغش والحقد .
(٢) وسائل الشيعة ، ج ١١ ، كتاب الجهاد ، الباب ١٥ من أبواب جهاد العدو ، الحديثين ٢ و ٣ . وقد جاءت نماذج من هذه التعاليم في تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ، ص ٥٩ . و « الأموال » لأبي عبيد ، ص ٢١٢ .