الأمر الثاني
وجه إعجاز القرآن وكونه كتاباً خارقاً للعادة
إنّ إعجاز القرآن في عصر الرسالة ، كان يتمثّل في فصاحة ألفاظه ، وبلاغة معانيه ، وروعة نظمه ، وبداعة أسلوبه الخاص . فَعَرَبُ عَصْرِ الرسالة وبُلَغاؤهم وحذّاقُهم في الخطابة والشعر ، لمسوا أنّ القرآن في ظل عُذوبة ألفاظه وسحر معانيه وجمال تأليفه ونظمه ، وبداعة سبكه ، لا يشبه الشعر ولا النثر ، وأنّه كتاب جاء في قالب ، لم يسبق له نظير فله جذابية خاصة ، وهيبة رائعة تهتز بها النفوس تارة ، وتقشعر منها الجلود أُخرى . فأحسّوا بضعف الفطرة عن معارضته ، ولمسوا أنّه جنس من الكلام غير ما هم فيه ، ووجدوا منه ما يغمر القوة ، ويخاذل النفس ، مصادمةً ، لا حيلةً ولا خدعة ، مع أنّه مؤلف من نفس الحروف التي هي المادة الأولى لكلماتهم وكلمهم .
إنّ المحققين في علوم القرآن ، ومبيّني وجوه إعجازه ، وإن ذكروا وجوهاً كثيرة لكون هذا الكتاب معجزاً ، وسنمر على تلك الوجوه ، غير أنّ جهة إعجازه في عصر الرسالة كان متمركزاً في جانبه البياني الذي يتمثل في لفظه الجميل ، ومعناه البليغ ، ونظمه المعجب ، وأُسلوبه الرائق . ولذلك أدهش عُقول الفصحاء والبُلَغاء في عصر النبي ، ولم يزل يدهش كلَّ عربي مُلِمّ بلغته ، أو غير عربي عارف باللغة العربية ، من غير فرق بين جيل وجيل .
إنّ للقرآن في مجالي اللفظ والمعنى
كيفية خاصة يمتاز بها عن كل كلام سواه ،