ويكفي في ذلك أنّه تَرَبّى في أحضانه ، رجال متفانون في طريق الدين وتحقيق أهدافه ، وكفى في إظهار ذلك أنّ النبيّ استشار أصحابه في محاربة قريش في معركة بدر ، وقال : أشيروا عليّ أَيُّها النَّاس .
فقام المقداد بن عمرو ، وقال : يا رسول الله ، إمض لما أراك الله ، فنحن معك . والله لا نقولُ لكَ كما قالت بنو إسرائيلَ لموسى : « اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون » ، ولكن اذهب أنت وربُّك فقاتلا فإنّا معكما مقاتلون . فوالذي بعثك بالحق ، لو أمرتنا أن نخوض جَمْرَ الغضا (١) وشوك الهَراس (٢) لَخُضناه معك (٣) .
وقال سعد بن معاذ : « فوالذي بعثك بالحق ، لو استعرضت بنا هذا البحر فَخُضْتَهُ ، لَخُضْناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد . وما نكره أن تلقى بنا عدوَّنا غداً ، وإِنّا لَصُبُر في الحرب ، صُدُق في اللقاء ، لعلّ الله يريك منا ما تقرُّ به عينك ، فَسِرْ بنا على بركة الله ، وصِلْ مَنْ شِئت ، واقطع مَنْ شِئت ، وخُذْ من أموالنا ما شئت ، وما أخذت من أموالنا أحبّ إلينا ممّا تركت » (٤) .
هؤلاء صحابة النبي والرجال الذين التفوا حوله ، فكانت حياتهم وكلماتهم : التفاني دون الحق ، والعيش مع الرسول كيفما أراد . ولا نرى نُظَراءَهم حول السياسيين من رجال الإصلاح ، الذين يعيشون لأجل الأماني المادية .
نعم ، وجود هذه الأنجم الزاهرة حول الرسول ، كافٍ في كون دعوته إلهية ، ولا يستلزم أن يكون كلُّ مَنْ حوله رجلاً مثالياً . ويكفي في ذلك ملاحظة التاريخ ، والآيات الواردة حول أصحابه وحوارييه .
* * *
__________________
(١) النار المُتّقدة .
(٢) شجر كبير الشوك .
(٣) السيرة النبوية ، ج ١ ، ص ٦١٥ ، وتاريخ الطبري ، ج ٢ ، ص ١٤٠ .
(٤) المغازي ، للواقدي ، ج ١ ، ص ٤٨ ، وغيره .