وهذا الجواب يستفاد من كلمات الشيخ المفيد والسيد المرتضى .
قال الشيخ المفيد : « العصمة تفضُّلٌ من الله تعالى على من علم أنّه يتمسّك بعصمته » (١) .
وقال السيد المرتضى : « كلُّ من علم الله تعالى أنّ له لطفاً يختارُ عنده الامتناع من القبائح ، فإنّه لا بدّ أن يفعل به ، وإن لم يكن نبياً ولا إماماً ، لأنّ التكليف يقتضي فعل اللُّطف على ما دُلّ عليه في مواضع كثيرة ، غير أنّه لا يمتنع أن يكون في المكلفين من ليس في المعلوم أنّ شيئاً متى فُعِلَ اختار عنده الإمتناع من القبيح ، فيكون هذا المكلَّف لا عصمة له في المعلوم ولا لطف . وتكليف من لا لطف له يَحْسُنُ ولا يَقْبُحُ ، وإنّما القبيح منع اللطف فيمن له لطف ، مع ثبوت التكليف » (٢) .
وحاصل ما أفاد هو أنّ الملاك في إفاضة هذا الفيض هو علمه سبحانه بحال الأفراد في المستقبل ، فكل من علم سبحانه أنّه لو أفيض عليه وصف العصمة لاختار عنده الإمتناع من القبائح ، فعندئذٍ تفاض عليه العصمة وإن لم يكن نبياً ولا إماماً وأمّا من علم أنّه متى أُفيضت إليه تلك الموهبة لما اختار عندها الإمتناع عن القبيح ، فلا يفيضها عليه لعدم استحقاقه لها .
وعلى ضوء ذلك فوصفُ العصمة موهبةٌ إلهية تفاض على من يعلم من حاله أنّه باختياره ينتفع منها في ترك القبائح ، فيعدّ مفخرة قابلة للتحسين والتكريم ، وقد شبّه الشيخ المفيد العصمة بالحبل الذي يعطى للغريق ليتشبث به فيسلم ، فالغريق مختار في التقاط الحبل والنجاة ، أو عدمه والغرق (٣) .
ويترتب على ما ذكره السيد عدم انحصار العصمة بالنبي والوحي المنصوص عليه ، بل تشمل كلَّ مَنْ علم الله سبحانه أنّه ينتفع منها في طريق كسب رضاه .
* * *
__________________
(١) شرح عقائد الصدوق ، ص ٦١ .
(٢) أمالي المرتضى ، ج ٢ ، ص ٣٤٨ ، طبعة إحياء دار الكتب العربية .
(٣) لاحظ أوائل المقالات ، ص ١١ .