والجواب : إنّ رفع التشكيك يتوقف على تبيين الفرق بين النبوة والرسالة ، وبالتالي يعلم الفرق بين النبي والرسول ، فنقول :
النُّبُوَّة منصب معنوي يستدعي الإتصال بالغيب بإحدى الطرق المألوفة ، والرسالة سفارة للمرسَل ( بالفتح ) من جانبه سبحانه لإبلاغ ما أُوحي إليه ، إلى المُرْسَل إليه ، أو تنفيذ ما تحمَّله منه سبحانه ، في الخارج .
وبعبارة أخرى : النبوة ، تحمل الأنباء ؛ والرسالةُ ، إبلاغُ ما تَحَمَّلُه من الأنباء ، بالتبشير والإنذار ، والتنفيذ .
ولأجل مناسبة الوحي لمقام النبوة ، والتبليغ لمقام الرسالة ، يقول سبحانه : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ) (١) .
ويقول : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (٢) . ويقول : ( قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا ) (٣) .
وفي ضوء هذا يعلم الفرق بين النبيّ والرّسول ، فالنبيُّ هو الإنسان الموحى إليه بإحدى الطُرق المعروفة ، والرسول هو (٤) الإنسان القائم بالسفارة من الله ، للتبشير ، أو لتنفيذ عمل في الخارج ، أيضاً .
إذا عرفت ذلك ؛ فنقول : لو فرض إيصاد باب النبوة ، وختم نزول الوحي إلى الإنسان ، كما يفيده قوله : ( خَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) ، فعند ذلك يختم باب الرسالة الإلهية أيضاً ، لأنّ الرسالة هي إبلاغ أو تنفيذ ما تحمله الرسول عن طريق الوحي ، فإذا انقطع الوحي والإتصال بالمبدأ الأول ، فلا يبقى للرسالة موضوع .
__________________
(١) سورة النساء : الآية ١٦٣ .
(٢) سورة المائدة : الآية ٦٧ . هذا في مجال التبليغ .
(٣) سورة مريم : الآية ١٩ . هذا في مجال التنفيذ .
(٤) المقصود تعريف الرسول المصطلح ، فلا ينافي إطلاقه على المَلَك ، مثل قوله تعالى : ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا ) ( سورة الأنعام : الآية ٦١ ) . أو على الإنسان العادي : ( فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ . . . ) ( سورة يوسف : الآية ٥٠ ) .