أشعارهم ، فعلّقوها على جدار الكعبة ، بعد ما كتبوها بماء الذهب ، فكان يقال هذه مُذَهّبة امريء القيس إذا كانت أجود شعر .
كما بلغ اهتمام رجال العرب ونسائهم بالخطابة والشعر إلى أنّهم كانوا يحتفلون كل عام في موسم الحج إحتفالات كبيرة لإلقاء الخطب والأشعار . وكان النابغة الذبياني هو الحَكَم في تمييز الراجح من المرجوح ، فيأتي سوق عكاظ وتضرب له فيه قُبّة حمراء من الأَدم ، فيأتيه الشعراء ، فيعرض كلّ أبياته التي صاغها طيلة السنة المتقدمة (١) .
وفي هذا الأجواء ، كانت المناسبة تقتضي أن تكون معجزة المدّعي مشابهة للفن الرائج في ذلك الظرف ، فلذلك جاء بمعجزة البيان وبلاغة الكلام ، حتى يعرف كلُّ عربي أو الأخصائي منهم ، أن قُرآنه بعذوبته وحلاوته ، وسمو معانيه وعمقها ، وروعة نظمه وبداعة أُسلوبه (٢) ، خارج عن إطار الكلام الرائج بين فصحاء العرب ، وبُلغائهم أولاً ، وخارج عن طاقتهم ومقدرتهم ثانياً . وسيوافيك تصديق أكابرهم وفحولهم المعاصرين للنبي الأعظم ، بكون كلامه خارجاً عن طوق البشر ومقدرته ، كما سيوافيك تحليله بوجه علمي ملموس .
وهناك كلام لأحد أئمة الشيعة ـ قيِّمٌ جِدّاً ـ نأتي به :
روى الكليني عن أبي يعقوب البغدادي قال : قال ابن السَكّيت (٣) ، لأبي الحسن (٤) : « لماذا بعث الله موسى بن عمران عليه السلام بالعصا ، ويده
__________________
(١) شعراء النصرانية ، ج ٢ ، ص ٦٤٠ ، ط بيروت .
(٢) سيوافيك أنّ الإعجاز البياني للقُرآن يقوم على أُسس أربعة هي التي أشرنا إليها في المتن .
(٣) أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الدورقي ، أحد أئمة اللغة والأدب ، وكان حامل لواء علم العربية ، وله تصانيف منها : كتاب تهذيب الألفاظ ، وكتاب إصلاح المنطق ، قتله المتوكل في خامس شهر رجب عام ٢٤٤ هـ ، بحجة أنّه قال إنّ قنبراً ـ خادم علي ـ خير منه ومن ابنيه . فقال المتوكل للأتراك ، سلّوا لسانه من قفاه ، ففعلوا ، فمات . لاحظ تاريخ الخلفاء للسيوطي ، ص ٣٧٦ .
(٤) الإمام الهادي أبو الحسن ، علي بن محمد بن علي الرضا ، المدفون بسامراء ، الشهيد بيد المعتز بالله عام ٢٥٢ هـ .