س ٦٠ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٧٤) [البقرة : ٧٤]؟!
الجواب / قال الإمام العسكري عليهالسلام : «قال الله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) عست (١) وجفّت ويبست من الخير والرحمة قلوبكم ، معاشر اليهود (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) من بعد ما بيّنت من الآيات الباهرات في زمان موسى عليهالسلام ، ومن الآيات المعجزات التي شاهدتموها من محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) اليابسة لا ترشح برطوبة ، ولا ينتفض منها ما ينتفع به ، أي أنّكم لا حقّ لله تردّون ، ولا من أموالكم ، ولا من حواشيها (٢) تتصدّقون ، ولا بالمعروف تتكرّمون وتجودون ، ولا الضيف تقرون (٣) ولا مكروبا تغيثون ، ولا بشيء من الإنسانية تعاشرون ، وتعاملون.
(أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) إنّما هي في قساوة الأحجار ، أو أشدّ قسوة ، أبهم على السامعين ، ولم يبيّن لهم ، كما قال القائل : أكلت خبزا أو لحما ، وهو لا يريد به : أنّي لا أدري ما أكلت ، بل يريد أن يبهم على السامع حتى لا يعلم ما أكل ، وإن كان يعلم أنّه قد أكل.
وليس معناه بل أشدّ قسوة ، لأنّ هذا استدراك غلط ، وهو عزوجل يرتفع عن أن يغلط في خبر ، ثمّ يستدرك على نفسه الغلط ، لأنّه العالم بما
__________________
(١) عسا الشّيء : يبس واشتدّ وصلب. «الصحاح ـ عسا ـ ٦ : ٢٤٢٥». وفي «ط» : غشت.
(٢) حواشي الأموال : صغار الإبل ، كابن المخاض وابن اللبون. «لسان العرب ـ حشا ـ ١٤ : ١٨٠». وفي طبعه : مواشيها.
(٣) قريت الضيف : أحسنت إليه. «الصحاح ـ قرا ـ ٦ : ٢٤٦١».