أبنائه ، وعبّر عن قلقه هذا متسائلا : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي)؟ وإنما قال : (ما تَعْبُدُونَ) ولم يقل «من تعبدون ..» لتلوث البيئة الاجتماعية آنذاك بالشرك والوثنية ، أي بعبادة الأشياء من دون الله ، فأراد يعقوب أن يفهم ما في قرارة أنفس أبنائه من ميول واتجاهات ، وبعد أن استمع الجواب اطمأنت نفسه.
ويلفت النظر هنا أن إسماعيل لم يكن أبا يعقوب ولا جدّه بل عمّه ، بينما الآية استعملت كلمة «آباء» ، ويتضح من ذلك أن كلمة «الأب» تطلق أيضا على «العم» توسعا ، ومن هنا نقول بالنسبة لآزر ، الذي ذكره القرآن باعتباره والد إبراهيم ، أنه لا يمنع أن يكون عمّ إبراهيم لا والده. آخر آية في بحثنا ، تجيب على توهّم آخر من توهمات اليهود ، فكثير من هؤلاء كانوا يستندون إلى مفاخر الآباء والأجداد وقرب منزلة أسلافهم من الله تعالى ، فلا يرون بأسا في انحرافهم هم ، ظانين أنهم ناجون بوسيلة أولئك الأسلاف.
يقول القرآن : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) [البقرة : ١٣٤].
وبذلك أرادت الآية أن توجّه أنظار هؤلاء إلى أعمالهم وسلوكهم وأفكارهم ، وتصرفهم عن الانغماس في الافتخار بالماضين.
س ١٠٩ : ما هو تفسير قوله تعالى :
(وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٣٥) [البقرة : ١٣٥] ، ماذا تعني «حنيفا»؟!؟
الجواب / قال أبو عبد الله الصادق عليهالسلام : «إنّ الحنيفيّة هي الإسلام» (١).
__________________
(١) تفسير العياشي : ج ١ ، ص ٦١ ، ح ١٠٣.