لحيي (١) الحيّة أدخلته الجنّة ، وكان آدم يظنّ أن الحيّة هي التي تخاطبه ، ولم يعلم أنّ إبليس قد اختفى بين لحييها.
فردّ آدم على الحيّة : أيتها الحيّة ، هذا من غرور إبليس لعنه الله ، كيف يخوننا ربّنا؟ أم كيف تعظّمين الله بالقسم به وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر وهو أكرم الأكرمين ، أم كيف أروم التوصّل إلى ما منعني منه ربّي عزوجل ، وأتعاطاه بغير حكمه؟!
فلمّا يئس إبليس من قبول أمره منه ، عاد ثانية بين لحيي الحيّة فخاطب حواء من حيث يوهمها أنّ الحية هي التي تخاطبها ، وقال : يا حوّاء ، أرأيت هذه الشجرة التي كان الله عزوجل حرّمها عليكما ، قد أحلّها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما ، وتوقير كما إيّاه؟ وذلك أن الملائكة الموكّلين بالشجرة ـ التي معها الحراب ، يدفعون عنها سائر حيوان الجنّة ـ لا تدفعك عنها ، إن رمتها ـ أي طلبتها ـ ، فأعلمي بذلك أنّه قد أحلّ لك ، وأبشري بأنّك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلّطة عليه الآمرة الناهية فوقه. فقالت حوّاء : سوف أجرّب هذا. فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها ، فأوحى الله تعالى إليها : إنّما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره ، فأمّا من جعلته متمكّنا مختارا ، فكلوه إلى عقله الذي جعلته حجّة عليه ، فإن أطاع استحق ثوابي ، وإن عصى وخالف أمري استحقّ عقابي وجزائي ، فتركوها ولم يتعرّضوا لها ، بعدما همّوا بمنعها بحرابهم ، فظنّت أن الله تعالى نهاهم عن منعها لأنّه قد أحلّها بعدما حرّمها. فقالت : صدقت الحيّة ، وظنت أنّ المخاطب لها هي الحيّة ، فتناولت منها ولم تنكّر ـ أي تغير ـ
__________________
(١) اللحيّ : عظم الحنك ، واللّحيان : العظمان اللّذان تنبت اللحية على بشرتهما. «مجمع البحرين ـ لحا ـ ج ١ : ٣٧٣».