لتقديم الخبر المخالف للعامة بأن : الحق والرشد في خلافهم ، وان ما وافقهم فيه التقية) فالتعليل بذلك إنما هو لأجل اقربية مضمون الخبر المخالف للعامة إلى الواقع من الخبر الموافق لهم ، لأنّه يحتمل في الموافق ما لا يحتمل في المخالف ، وليس المراد انّ كلّما يكون مخالفا للعامّة فهو الحق الموافق للواقع ، وكل ما يكون موافقا لهم فهو الباطل المخالف للواقع (فان هذه كلها قضايا غالبية لا دائمية).
بداهة أن كثيرا من الأحكام الموافقة لرأي العامة ليست من الباطل فيكون المراد أنه يجب طرح الموافق ، لأنه يحتمل كونه تقيّة ، لأنّ الغالب فيما سمعتم مني يشبه قولهم التقية ، والمستفاد منه أنّ مخالفة العامة تكون بمرتبة من الاصابة إلى الواقع حتى يكون الحق والرشد فيها ، وعموم العلّة قاض بالتعدي إلى كل حديث يكون الرشد الظني في خلافه (فيدلّ) هذا الخبر (بحكم التعليل) المذكور (على وجوب ترجيح) بكل ما يكون مضمونه أقرب للواقع من الخبر الآخر ، ولازم ذلك هو التعدي إلى (كل ما كان معه امارة الحق والرشد ، وترك ما فيه مظنة خلاف الحق والصواب) ـ ولو لم تكن من مقولة مخالفة العامّة ـ (بل الانصاف : أن مقتضى هذا التعليل كسابقه وجوب الترجيح بما هو أبعد عن الباطل من الآخر) يعني كما أنّ قوله «ع» : فانّ المجمع عليه مما لا ريب فيه ، يكون من منصوص العلّة وبمنزلة الكبرى الكلية ، فيكون مفاد التعليل هو التعدي إلى كل مزية تقتضي اقربية صدور ذي المزيّة إلى الحق من الفاقد لها هكذا موافقة العامة توجب اقربية الموافق إلى الباطل المستلزم لا بعدية الآخر عنه ، ـ وإن لم يحصل القطع بالقرب إلى الواقع ـ (وان لم يكن عليه) أي على الخبر الذي رجّحناه (امارة المطابقة) بمعنى أن يفيد الظن بالواقع بل احتمال الطرف ضعيف ، لا أن هذا الخبر قوي حتى يكون امارة للواقع ، نظير ما إذا كان مؤذّنان أحدهما ليس معلوم العدالة والآخر معلوم الفسق ، فيرجّح الأول على الثاني مع عدم امارة مطابقة للواقع لعدم معرفة عدالته (كما يدلّ عليه) أي على هذا المعنى