دليل على اعتبارهما فهي متّضحة ، إذ معه يكون الأصل عدم الصدور ، حتّى في النّص والظاهر ، والظاهر والأظهر أيضا ، وإن كانت بالنظر إلى دليل اعتبارهما الذي هو غير اخبار الترجيح أو التخيير وهو الدليل الأول ، فهي مسلمة في النص والظاهر والظاهر والأظهر ، دون الظاهرين ، لأنّ مؤدّاه إنّما هو التعبّد بكل خبر على وجه التعيين ، وهو غير ممكن في الظاهرين ، معا لأدائه إلى التعبّد بالمتناقضين ، ولو تعبّدنا الشارع بمدلولهما معا أيضا أو إلى الاجمال على تقدير عدم تعبّده بمدلولهما معا فلا يريد التعبّد بصدورهما معا على عدم التعبّد بصدورهما فائدة ، فيلغي التعبّد بصدورهما معا على وجه التعيين مطلقا.
والتعبّد بأحدهما معيّنا دون الآخر لا يقتضيه ذلك الدّليل ، لفرض دخولهما
__________________
ـ تتمة الهامش من الصفحة ٣٤٥
أقوى الدّليلين من حيث الدّلالة ويصير كالنّص والظاهر أو الأظهر والظاهر ، كالعام والخاص ، أو المطلق والمقيد ، ولا شبهة في تقديمه على سائر المرجّحات بل في نظيرها لا يلاحظ المرجّحات أصلا كما يقدّم الخاصّ على العام بلا كلام ولا ينظر إلى وجود المرجّح في أحد الطرفين ، وأنت خبير بأنّ مرجّح الجهة أيضا من المرجّحات التي ذكرت في أخبار الترجيح ، ومعنى الترجيح بها الأخذ بذيها وطرح المعارض رأسا.
وعليه إذا تعارض هذا المرجّح مع ساير المرجّحات مثل أن يكون الخبر الموافق للعامّة اعدل وأوثق من المخالف ، فحيث أنّ الأعدلية ونظائرها أيضا من المرجّحات فلا محالة يقع التعارض بين هذين المرجّحين.
وبعبارة أخرى : تقديم المرجّح الجهة بالمعنى الذي ذكروه أوّل الكلام حيث أنّه لا يستفاد من أخبار الترجيح سوى لزوم الترجيح بالمرجّحات المذكورة بانحائها المختلفة ، وأمّا أنّ أيها يقدّم أو يؤخّر فليس من التقديم أو التأخير في الأخبار عين ولا أثر ، وإلى هذا ينظر من أنكر وجود الترتيب بين المرجّحات وأنّ الجميع في عرض واحد وهو القول الثالث من الأقوال الثلاثة الذي اختاره صاحب الكفاية قده ، ومن أراد التفصيل فليراجع إلى كفاية الأصول ج ـ ٢ ص ٤١٤.