______________________________________________________
وأما الرواية الأولى : فبأنها إنما تدل على صحة حج تارك الإحرام مع الجهل وهو خلاف محل النزاع ، وما قيل من أن الناسي أعذر من الجاهل فغير واضح كما بيّنّاه غير مرّة ، مع أنها مخصوصة بإحرام الحج فإلحاق إحرام العمرة به لا يخرج عن القياس.
وأما الرواية الثانية : فواضحة الدلالة لكن إرسالها يمنع من العمل بها.
والقول بفساد الحج بذلك ووجوب الإتيان بالنسك الواجب الذي أخلّ بإحرامه لابن إدريس (١) ، ووجهه معلوم مما قررناه. وحكى المصنف في المعتبر عنه أنه احتجّ على ذلك بقوله عليهالسلام : « الأعمال بالنيات » (٢) قال : ولست أدري كيف تخيّل هذا الاستدلال ولا كيف يوجّهه؟! فإن كان يقول : إن الإخلال بالإحرام إخلال بالنية في بقية المناسك فنحن نتكلم على تقدير إيقاع نية كل منسك على وجهه ظانا أنه أحرم أو جاهلا بالإحرام فالنية حاصلة مع إيقاع كل منسك فلا وجه لما قاله (٣).
وأجاب عنه شيخنا الشهيد ـ رحمهالله ـ في الشرح بأن مراد ابن إدريس أن فقد نية الإحرام يجعل باقي الأفعال في حكم المعدوم ، لعدم صحة نيتها محلاّ فتبطل ، إذ العمل بغير نية باطل. ولا يخفى ما في هذا الجواب من التكلف.
وقال العلاّمة في المنتهى : الظاهر أن ابن إدريس وهم في هذا الاستدلال ، فإن الشيخ اجتزأ بالنية عن الفعل فتوهّم أنه اجتزأ بالفعل بغير نية (٤). وكأن مراده باجتزاء الشيخ بالنية عن الفعل اجتزاؤه بالعزم المتقدم كما ذكر في النهاية (٥) ، لا النية المقارنة للإحرام ، إذ ليس في كلام الشيخ دلالة
__________________
(١) السرائر : ١٢٤.
(٢) التهذيب ٢ : ١٨٦ ـ ٥١٨ ، الوسائل ١ : ٣٤ أبواب مقدمة العبادات ب ٥ ح ٦.
(٣) المعتبر ٢ : ٨١٠.
(٤) المنتهى ٢ : ٦٨٥.
(٥) النهاية : ٢١١.