باعثين بأيدي غيرهم ، ولذلك منع من التوكيل فيه. أو عن غنى ، ولذلك قيل : لا تؤخذ من الفقير. أو عن يد قاهرة عليهم ، بمعنى : أذلّاء عاجزين. أو حال من الجزية ، بمعنى : نقدا مسلّمة عن يد إلى يد أو عن إنعام عليهم ، فإنّ إبقاءهم بالجزية نعمة عظيمة.
(وَهُمْ صاغِرُونَ) أذلّاء. وهو أن يأتي بها بنفسه ماشيا غير راكب ، ويسلّمها وهو قائم والآخذ جالس ، وأن يؤخذ بتلبيبه (١) ويقال له : أدّها. وعن ابن عبّاس رضى الله عنه : تؤخذ الجزية من الذمّي وتوجأ (٢) عنقه.
ومفهوم الآية يقتضي تخصيص الجزية بأهل الكتاب. ويؤيّده أنّ عمر لم يكن يأخذ الجزية من المجوس ، حتّى شهد عبد الرحمن بن عوف أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذها من مجوس هجر ، وأنّه قال : سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب ، وذلك لأنّ لهم شبهة كتاب ، فالحقوا بالكتابيّين. وهذا موافق لمذهب فقهائنا الاماميّة.
وأمّا سائر الكفرة فلا تؤخذ منهم الجزية عندنا وعند الشافعي. وأمّا عند الحنفيّة فتؤخذ منهم إلّا من مشركي العرب. وعند مالك تؤخذ من كلّ كافر إلّا المرتدّ. وبيان كميّة الجزية وسائر ما يتعلّق بها من كيفيّة الأخذ وغيرها مذكور في كتب الفقه.
__________________
(١) لبّبت الرجل تلبيبا ، إذا جمعت ثيابه عند صدره ونحره في الخصومة ثم جررته.
(٢) أي : تضرب باليد أو غيرها.