آخرين مطيعين ، كأهل اليمن وأبناء فارس (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً) أي : لا يقدح تثاقلكم في نصر دينه شيئا ، فإنّه الغنيّ عن كلّ شيء وفي كلّ أمر. وقيل : الضمير للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أي : ولا تضرّوا الرسول ، فإنّ الله وعد له بالعصمة والنصرة ووعده حقّ. وفيه سخط عظيم على المتثاقلين ، حيث هدّدهم بعذاب عظيم مطلق يتناول عذاب الدارين ، وأنّه يهلكهم ويستبدل بهم قوما آخرين خيرا منهم وأطوع ، وأنّه غنيّ عنهم في نصرة دينه.
(وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيقدر على التبديل وتغيير الأسباب والنصرة بلا مدد ، كما قال جلّت قدرته : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) أي : إن تركتم نصرته فسينصره الله ، كما نصره وجعله منصورا على أعدائه (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ) حال كونه أحد اثنين ، أي : لم يكن معه إلّا رجل واحد ـ وهو أبو بكر ـ فلن يخذله من بعد ، فحذف الجزاء وأقيم ما هو كالدليل عليه ـ أعني : قوله : (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) ـ مقامه. وإن لم تنصروه فقد أوجب الله له النصر حتّى نصره في ذلك الوقت ، فلن يخذله في غيره. وإسناد الإخراج إلى الكفرة لأنّ همّهم بإخراجه أو قتله تسبيب ، لإذن الله له بالخروج.
(إِذْ هُما فِي الْغارِ) بدل من «إذ أخرجه» بدل البعض ، إذ المراد به زمان متّسع. والغار النقب العظيم في الجبل. وهو هاهنا نقب في أعلى ثور. وثور جبل في يمنى مكّة على مسيرة ساعة ، مكثا فيه ثلاثا.
(إِذْ يَقُولُ) بدل ثان أو ظرف لـ «ثاني» (لِصاحِبِهِ) وهو أبو بكر (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) مطّلع علينا وعالم بحالنا ، يحفظنا وينصرنا. ولمّا دخلا الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله ، والعنكبوت فنسجت عليه. وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : اللهمّ أعم أبصارهم.
فلمّا طلع سراقة بن مالك ونظراؤه فوق الغار جعلوا يتردّدون حوله ، ولم يروه ولا يفطنون ، وقد أخذ الله بأبصارهم عنه. وسراقة لمّا رأى بيض الحمام