الكفر ، فقال : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) طائعين أو مكرهين (لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ) نفقاتكم. والأمر في معنى الخبر ، كقوله : (مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ) (١). ومعناه : لن يتقبّل منكم ، أنفقتم طوعا أو كرها. ونحوه قوله : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) (٢) أي : لن يغفر الله لهم ، استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم. وفي تساوي الإنفاقين مبالغة في عدم القبول. وهذا جواب قول جدّ بن قيس : وأعينك بمالي. ونفي التقبّل يحتمل أمرين : أن لا يؤخذ منهم ، وأن لا يثابوا عليه.
وقوله : (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ) تعليل له على سبيل الاستئناف ، وما بعده بيان وتقرير له ، أعني : قوله : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) وقرأ حمزة والكسائي : أن يقبل بالياء ، لأنّ تأنيث النفقات غير حقيقيّ (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى) متثاقلين (وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ) لأنّهم لا يرجون بهما ثوابا ، ولا يخافون على تركهما عقابا.
(فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ) الإعجاب بالشيء أن يسرّ به سرور راض به متعجّب من حسنه. والخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمراد جميع المؤمنين. والمعنى : فلا تستحسنوا ما أوتوا به من زينة الدنيا ، فإنّ ذلك استدراج ووبال لهم ، كما قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بسبب ما يكابدون لجمعها وحفظها من المتاعب ، وما يرون فيها من الشدائد والمصائب (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) فيموتوا كافرين مشتغلين بالتمتّع عن النظر في العاقبة ، فيكون ذلك استدراجا لهم.
وأصل الزهوق الخروج بصعوبة.
(وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) أي : لمن جملة المسلمين (وَما هُمْ مِنْكُمْ) لكفر قلوبهم (وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) يخافون منكم أن تفعلوا بهم ما تفعلون
__________________
(١) مريم : ٧٥.
(٢) التوبة : ٨٠.