ومخشى بن حمير ورفاعة بن عبد المنذر وغيرهم قالوا ما لا ينبغي للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وذمّوه. فقال رجل منهم : لا تفعلوا فإنّا نخاف أن يبلغ محمّدا ما تقولون فيوقع بنا.
فقال الجلاس بن سويد : بل نقول ما شئنا ثمّ نأتيه فيصدّقنا بما نقول ، فإنّ محمّدا أذن سامعة ، فنزلت : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ) الاذن الرجل الّذي يصدّق كلّ ما يسمع ، ويقبل قول كلّ أحد. والمعنى : هو يسمع كلّ ما يقال له ويصدّقه. سمّي بالجارحة للمبالغة ، كأنّه من فرط استماعه صار جملته آلة السماع ، كما سمّي الجاسوس عينا لذلك. أو اشتقّ له فعل من : أذن اذنا إذا استمع ، كأنف وشلل.
(قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) تصديق لهم بأنّه أذن ولكن لا على الوجه الّذي ذمّوا به ، بل من حيث إنّه يسمع الخير ويقبله.
ثمّ فسّر ذلك بقوله : (يُؤْمِنُ بِاللهِ) يصدّق به ، لما قام عنده من الأدلّة (وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) ويصدّقهم ، لما علم من خلوصهم. واللام مزيدة للتفرقة بين إيمان التصديق ، فإنّه بمعنى التسليم ، وإيمان الأمان ، كما في قوله : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) (١).
(وَرَحْمَةٌ) أي : هو رحمة (لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) لمن اظهر الايمان ، حيث يقبله ولا يكشف سرّه ولا يفضحه ، فلا يفعل به ما يفعل بالمشركين ، مراعاة لما رأى الله من المصلحة في الإبقاء عليه. وفيه تنبيه على أنّه ليس يقبل قولكم جهلا بحالكم ، بل رفقا بكم وترحّما عليكم.
وقرأ حمزة : ورحمة بالجرّ ، عطفا على «خير» أي : هو أذن خير ورحمة ، ولا يسمع غيرهما. وقرأ نافع : أذن بالتخفيف فيهما.
(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) بإيذائه. وقيل : نزلت هذه الآية
__________________
(١) يوسف : ١٧.