أردت ، فو الّذي بعثك بالحقّ لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلّف منّا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا ، وإنّا لصبر عند الحرب ، صدق عند اللقاء ، ولعلّ الله يريك منّا ما تقرّ به عينك ، فسر بنا على بركة الله.
ففرح رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ونشّطه قول سعد ثم قال : سيروا على بركة الله وأبشروا ، فإنّ الله وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأنّي الآن أنظر إلى مصارع القوم.
وروي أنّه قيل لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين فرغ من بدر : عليك بالعير ليس دونها شيء. فناداه العبّاس وهو في وثاقه : لا يصلح. فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : لم؟ قال : لأنّ الله وعدك إحدى الطائفتين ، وقد أعطاك ما وعدك.
وكانت تلك الكراهة من بعضهم لقوله : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) وهو في موقع الحال ، أي : أخرجك في حال كراهتهم خروجك من بيتك إلى حرب مشركي مكّة في بدر.
(يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِ) ينازعونك في إيثارك الجهاد بإظهار الحقّ ، لإيثارهم تلقّي العير عليه. (بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) لهم أنّهم ينصرون أينما توجّهوا ، وذلك بإعلام الرسول. وجدالهم قولهم : ما كان خروجنا إلّا للعير ، وهلّا قلت لنا لنستعدّ ونتأهّب؟ وذلك لكراهتهم القتال.
ثمّ شبّه حالهم في فرط فزعهم ورعبهم وهم يسار بهم إلى الظفر والغنيمة ، بحال من يجذب إلى القتل ويساق على الصغار إلى الموت المتيقّن ، فقال : (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) أي : يكرهون القتال كراهة من يساق إلى الموت وهو يشاهد أسبابه. وكان ذلك لقلّة عددهم ، وعدم تأهّبهم ، إذ روي أنّهم كانوا رجّالة ، وما كان فيهم إلّا فارسان. وفيه إيماء إلى أنّ مجادلتهم إنما كانت لفرط فزعهم ورعبهم.