قالوا : بل العير أحبّ إلينا من لقاء العدوّ.
فتغيّر وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ ردّد عليهم فقال : إنّ العير قد مضت على ساحل البحر ، وهذا أبو جهل قد أقبل.
فقالوا : يا رسول الله عليك بالعير ودع العدوّ.
فقام عند غضب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أبو بكر وعمرو وقالا فأحسنا.
ثمّ قام سعد بن عبادة فقال : أنظر أمرك فامض ، فو الله لو سرت إلى عدن أبين (١) ما تخلّف عنك رجل من الأنصار.
ثمّ قال المقداد بن عمرو : يا رسول الله امض لما أمرك الله ، فإنّا معك حيث ما أحببت ، لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) (٢) ، ولكن اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون ، ما دامت عين منّا تطرف. فضحك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ثمّ قال : أشيروا عليّ أيّها الناس وهو يريد الأنصار ، لأنّهم كانوا عدده ، وقد قالوا له حين بايعوه على العقبة : إنّا برآء من ذمامك حتّى تصل إلى ديارنا ، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا ، نمنعك ممّا نمنع منه أبناءنا ونساءنا.
فكان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يتخوّف أنّ الأنصار لا يروا نصرته إلّا على عدوّ دهمه بالمدينة.
فقام سعد بن معاذ فقال : لكأنّك تريدنا يا رسول الله؟
قال : أجل.
قال : قد آمنّا بك وصدّقناك ، وشهدنا أنّ ما جئت به هو الحقّ ، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما
__________________
(١) في الصحاح (٥ : ٢٠٨٢) : «أبين اسم رجل نسب إليه عدن ، يقال : عدن أبين».
(٢) المائدة : ٢٤.