مكّة النجاء (١) النجاء على كلّ صعب وذلول ، عيركم أموالكم ، إن أصابها محمد لن تفلحوا بعدها أبدا.
وقد رأت عاتكة أخت العبّاس بن عبد المطّلب رؤيا قبل ذلك بثلاث ليال ، فقالت لأخيها : إنّي رأيت عجبا ، رأيت كأنّ ملكا نزل من السماء فأخذ صخرة من الجبل ثمّ حلق (٢) بها ، فلم يبق بيت من بيوت مكّة إلّا اصابه حجر من تلك الصخرة. فحدّث بها العبّاس ، فقال أبو جهل : ما يرضى رجالهم أن يتنبّئوا حتّى تتنبّأ نساؤهم. وبرواية أخرى قال : هذه نبيّة ثانية من بني عبد المطّلب.
فخرج أبو جهل بجميع أهل مكّة ، وهم النفير في المثل السائر : لا في العير ولا في النفير. فقيل له : إنّ العير أخذت طريق الساحل ونجت ، فارجع بالناس إلى مكّة. فقال : لا والله لا يكون ذلك أبدا حتّى ننحر الجزور ، ونشرب الخمور ، ونقيم القينات (٣) والمعازف ببدر ، فيتسامع جميع العرب بمخرجنا ، وإنّ محمّدا لم يصب العير ، وإنّا قد أعضضناه (٤). فمضى بهم إلى بدر. وبدر ماء كانت العرب تجتمع فيه لسوقهم يوما في السنة.
ونزل جبرئيل فقال : يا محمّد إنّ الله وعدكم إحدى الطائفتين : إمّا العير وإمّا قريشا. فاستشار النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه وقال : ما تقولون : إنّ القوم قد خرجوا من مكّة على كلّ صعب وذلول ، فالعير أحبّ إليكم أم النفير؟
__________________
(١) أي : أسرعوا أسرعوا.
(٢) أي : رمى بها إلى فوق.
(٣) أي : المغنّيات ، والواحدة : قينة.
(٤) في الصحاح (٣ : ١٠٩١ ـ ١٠٩٢) : «أعضضته الشيء فعضّه. ويقال : أعضضته سيفي ، أي : ضربته به».