بمعنى التقدير ، فإنّه ما قدّر لصاحبه ونصب ، أي : أثبت. (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) ذمّ الأوّلين بحظوظهم الناقصة من الشهوات الفانية ، والتهائهم بها عن النظر في العاقبة ، والسعي في تحصيل اللذائذ الحقيقيّة ، تمهيدا لذمّ المخاطبين بمشابهتهم واقتفاء أثرهم.
(وَخُضْتُمْ) دخلتم في الباطل (كَالَّذِي خاضُوا) كالّذين خاضوا. وإفراده باعتبار الفوج أو الخوض ، أي : كالفوج الذي خاضوا ، أو كالخوض الّذي خاضوا.
(أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) لم يستحقّوا عليها ثوابا في الدارين (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) الّذين خسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة.
عن ابن عبّاس أنّه قال في هذه الآية : ما أشبه الليلة بالبارحة ، (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) هؤلاء بنو إسرائيل شبّهنا بهم ، لا أعلم إلّا أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «والذي نفسي بيده لتتبعنّهم ، حتّى لو دخل الرجل منهم جحر ضبّ لدخلتموه».
وروي مثل ذلك عن أبي هريرة ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : «لتأخذنّ كما أخذت الأمم من قبلكم ، ذراعا بذراع وشبرا بشبر وباعا (١) بباع ، حتّى لو أنّ أحدا من أولئك دخل جحر الضبّ لدخلتموه. قالوا يا رسول الله : كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب؟ قال : فهل الناس إلّا هم؟!».
وقال عبد الله بن مسعود : أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتا وهديا ، تتّبعون عملهم حذو القذّة (٢) بالقذّة ، غير أنّي لا أدري أتعبدون العجل أم لا؟
وقال حذيفة : المنافقون الّذين فيكم اليوم شرّ من المنافقين الّذين كانوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. قلنا : وكيف؟ قال : أولئك كانوا يخفون نفاقهم ، وهؤلاء أعلنوه. أورد جميعها الثعلبي في تفسيره.
__________________
(١) الباع : قدر مدّ اليدين ، وجمعه أبواع.
(٢) القذّة : ريش السهم. وحذو القذّة بالقذّة يضرب مثلا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان ، كما أن كلّ واحدة من القذّة تقدّر على قدر صاحبتها.