لنحن شرّ من الحمير ، كما مرّ (١) آنفا. فبلغ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فاستحضره ، فحلف بالله ما قاله ، فنزلت هذه الآية. فتاب الجلاس ، وحسنت توبته.
وروي أن اثني عشر أو خمسة عشر منافقا توافقوا عند مرجعه صلىاللهعليهوآلهوسلم من تبوك ، أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنّم العقبة بالليل ، على نحو ما مرّ.
فأخذ عمّار بن ياسر بخطام (٢) راحلته يقودها ، وحذيفة خلفها يسوقها ، كما سبق.
فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وقعقعة (٣) السلاح ، فالتفت فإذا قوم متلثّمون ، فقال : إليكم إليكم يا أعداء الله ، فهربوا.
وعن الباقر عليهالسلام : ثمانية منهم من قريش ، وأربعة من العرب.
فنزلت فيهم : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) من قتل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقيل : نزلت عند إرادتهم إخراجه صلىاللهعليهوآلهوسلم وإخراج المؤمنين من المدينة ، أو عند إرادتهم أن يتوجّوا عبد الله بن أبيّ ، أي : يجعلوه أميرا وإن لم يرض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(وَما نَقَمُوا) وما أنكروا وعابوا ، أو ما وجدوا ما يورث نقمتهم (إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) فإنّ أكثر أهل المدينة كانوا محاويج في ضنك من العيش ، فلمّا قدمهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صاروا ذوي ثروة وغناء بالغنائم. وقتل مولى للجلاس ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بديته اثني عشر ألف درهم ، فاستغنى. والاستثناء مفرّغ من أعمّ المفاعيل أو العلل. والمعنى : أنّهم جعلوا موضع شكر النعمة كفرانها ، وكان الواجب عليهم أن يقابلوها بالشكر.
(فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ) أي : التوب (خَيْراً لَهُمْ) هو الّذي حمل الجلاس على التوبة (وَإِنْ يَتَوَلَّوْا) بالإصرار على النفاق (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)
__________________
(١) في ص : ١٣٠.
(٢) الخطام : حبل يجعل في عنق البعير ويثنى في خطمه ، وهو مقدم أنف الدابة وفمها.
(٣) قعقع السلاح : صوت.