الغزو خلفه. يقال : أقام خلاف الحيّ ، أي بعدهم. ويجوز أن يكون بمعنى المخالفة ، لأنّهم خالفوه حيث قعدوا ، فيكون انتصابه على العلّة أو الحال ، أي : قعدوا عن تبوك لمخالفة رسول الله ، أو مخالفين.
(وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) إيثارا للدعة والراحة على طاعة الله. وفيه تعريض بالمؤمنين الّذين آثروا عليها تحصيل رضاه ببذل الأموال والمهج (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) أي : قال بعضهم لبعض ، أو قالوه للمؤمنين تثبيطا وإقعادا عن الجهاد. (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ) الّتي وجبت لهم بالتخلّف عن أمر الله (أَشَدُّ حَرًّا) من هذا الحرّ بمراتب غير متناهية ، وقد آثرتموها بهذه المخالفة (لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) أن مآبهم إليها ، أو أنّها كيف اختاروها بإيثار الدعة على الطاعة.
ثمّ أخبر عمّا يئول إليه حالهم في الدنيا والآخرة : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على أنّه حتم واجب. ويجوز أن يكون الضحك والبكاء كنايتين عن السرور والغمّ. والمراد من القلّة العدم.
(فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) فإن ردّك إلى المدينة وفيها طائفة من المتخلّفين ، يعني : منافقيهم ، فإنّ كلّهم لم يكونوا منافقين ، أو من بقي منهم ، وكان المتخلّفون اثني عشر رجلا أو ثمانية عشر (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) إلى غزوة اخرى بعد تبوك (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) إخبار في معنى النهي للمبالغة (إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) تعليل له. وكان إسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم على تخلّفهم. وأوّل مرّة هي الخرجة إلى غزوة تبوك (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) أي : المتخلّفين ، لعدم لياقتكم للجهاد ، كالنساء والصبيان.