ما في ضمائركم من الشرّ والفساد (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) أتتوبون عن الكفر أم تثبتون عليه؟ فكأنّه استتابة وإمهال للتوبة (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي : إليه ، فوضع الوصف موضع الضمير ، للدلالة على أنّه مطّلع على سرّهم وعلنهم ، لا يفوت عن علمه شيء من ضمائرهم وأعمالهم (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) بالتوبيخ والعقاب عليه.
(سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ) لتصفحوا عن جرمهم ، فلا تعاتبوهم ولا تعنّفوهم (فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ) إعراض ردّ وإنكار وتكذيب ، فلا توبّخوهم (إِنَّهُمْ رِجْسٌ) نجس كالشيء الخبيث الّذي يجب الاجتناب عنه ، فاجتنبوهم كما تجتنب الأنجاس ، فإنّه لا ينفع فيهم التوبيخ والتعيير ، فإن المقصود منه التطهير بالحمل على الإنابة ، وهؤلاء أرجاس لا تقبل التطهير ، فهو علّة الإعراض وترك المعاتبة (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) من تمام التعليل ، وكأنّه قال : إنّهم أرجاس من أهل النار لا ينفع فيهم التوبيخ والعتاب في الدنيا والآخرة. أو تعليل ثان ، والمعنى : أنّ النار كفتهم عتابا ، فلا تتكلّفوا عتابهم (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) يجوز أن يكون مصدرا ، وأن يكون علّة.
(يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) بحلفهم ، فتستديموا عليهم ما كنتم تفعلون بهم (فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) أي : فإنّ رضاكم لا يستلزم رضا الله ، ورضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كانوا في سخط الله تعالى وعقابه. أو إن أمكنهم أن يلبسوا عليكم ، لا يمكنهم أن يلبسوا على الله تعالى ، فلا يهتك سترهم ، ولا ينزل الهوان بهم. والمقصود من الآية النهي عن الرضا عنهم والاغترار بمعاذيرهم ، بعد الأمر بالإعراض وعدم الالتفات نحوهم.
وفي هذه الآية دلالة على أنّ من طلب بفعله رضا الناس ولم يطلب رضا الله تعالى ، فإنّ الله يسخط الناس عليه ، كما جاء في الحديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال :