وَالْقُرْآنِ) أي : وعدا مذكورا فيهما كما أثبت في القرآن (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) مبالغة في الإنجاز ، وتقرير لكونه حقّا ، أي : لا أحد أوفى بعهده من الله ، لأنّ الخلف قبيح لا يقدم عليه كريم ، فكيف بالكريم الغنيّ الّذي لا يجوز عليه فعل القبيح؟! (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) فافرحوا به غاية الفرح ، فإنّه أوجب لكم عظائم المطالب ، كما قال : (وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ولا ترغيب في الجهاد أحسن وأبلغ منه.
ثمّ وصف الله تعالى المؤمنين الّذين اشترى منهم الأنفس والأموال بأوصاف جليلة ونعوت جميلة ، فقال : (التَّائِبُونَ) رفع على المدح ، أي : هم التائبون الراجعون إلى طاعة الله ، والمنقطعون إليه ، النادمون على ما فعلوه من القبائح.
والمراد بهم المؤمنون المذكورون. ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف ، تقديره : التائبون من أهل الجنّة وإن لم يجاهدوا ، لقوله : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) (١). أو خبره «العابدون» أي : التائبون عن الكفر على الحقيقة هم الجامعون لهذه الخصال.
(الْعابِدُونَ) الّذين عبدوا الله مخلصين له الدين (الْحامِدُونَ) لنعمائه ، أو لكلّ ما أصابهم من السرّاء والضرّاء (السَّائِحُونَ) الصائمون ، لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «سياحة أمّتي الصوم».
شبّهوا بذوي السياحة في الأرض من حيث إنّ الصوم يعوق عن الشهوات كالسياحة ، أو لأنّه رياضة نفسانيّة يتوصّل بها إلى الاطّلاع على خفايا الملك والملكوت ، أو السائحون للجهاد أو لطلب العلم ، أو الّذين يسيحون في الأرض فيعتبرون بعجائب الله. (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) في الصلاة.
(الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) بالإيمان والطاعة (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) عن الشرك والمعاصي. والعاطف فيه للدلالة على أنّه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة ، كأنّه قال : الجامعون بين الوصفين. وأمّا العاطف في قوله تعالى :
__________________
(١) الحديد : ١٠.