إذ ما من أحد إلّا وله مقام يستنقص دونه ما هو فيه ، والترقّي إليه توبة من تلك النقيصة ، وإظهار لفضلها بأنّها مقام الأنبياء والصالحين من عباده.
وقال في المجمع (١) والجامع (٢) : «إنّما ذكر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم استفتاحا باسمه ، ولأنّه سبب توبتهم ، وإلّا فمن المعلوم أنّه لم يكن منه ما يوجب التوبة. ويؤيّده أنّ الرضا عليهالسلام قرأ : لقد تاب الله بالنبيّ على المهاجرين والأنصار.
(الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) في وقتها. وقد تستعمل الساعة في معنى الزمان المطلق ، كما تستعمل الغداة والعشيّة في اليوم. والمراد بالعسرة حالهم في غزوة تبوك ، فإنّهم كانوا في عسرة المركب ، حتّى يعتقب العشرة على بعير واحد.
وفي عسرة الزاد ، فإنّ زادهم الشعير المسوّس (٣) والتمر المدوّد. وبلغت الشدّة بهم حتّى قيل : إنّ الرجلين كانا يقتسمان التمرة ، ربّما مصّها جماعة ليشربوا عليها الماء.
وفي عسرة من الماء في حمارّة (٤) القيظ والضيق الشديد من القحط ، حتّى شربوا الفظّ ، وهو ماء الكرش (٥).
(مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) عن الثبات على الجهاد واتّباع الرسول في تلك الغزوة. ولم يرد بالزيغ هاهنا الزيغ عن الإيمان. وفي «كاد» ضمير الشأن أو ضمير القوم. والعائد إليه الضمير في «منهم». وقرأ حمزة وحفص : يزيغ بالياء ، لأنّ تأنيث القلوب غير حقيقيّ. قيل : إنّ قوما منهم همّوا بالانصراف عن غزاتهم بغير استئذان ، فعصمهم الله تعالى حتّى مضوا.
__________________
(١) مجمع البيان ٥ : ٨٠.
(٢) جوامع الجامع ١ : ٦٣٥.
(٣) المسوّس أي : الذي وقع فيه السوس. وهو دود يقع في الثياب والشعير والخشب ونحوها.
(٤) الحمارّة : شدّة الحرّ.
(٥) الكرش : هي لذي الخفّ وكلّ حيوان مجترّ بمنزلة المعدة للإنسان.