تقدّم من ذنبه وما تأخّر ـ في الضحّ (١) والريح والحرّ والغزو ، يحمل سلاحه على عاتقه ، وأبو خيثمة في ظلال بارد وطعام مهيّأ وامرأتين حسناوين ، ما هذا بالنصف. ثمّ قال : والله لا أكلّم واحدة منكما كلمة ، ولا أدخل عريشا حتّى ألحق بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. فأناخ ناضحه واشتدّ عليه وتزوّد وارتحل ، وامرأتاه تكلّمانه ولا يكلّمهما. ثم سار حتّى إذا دنا من تبوك ، قال الناس : هذا راكب على الطريق.
فقال النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : كن أبا خيثمة. فلمّا دنا قال الناس : هذا أبو خيثمة يا رسول الله.
فأناخ راحلته وسلّم على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أولى لك. فحدّثه الحديث ، فقال له خيرا واستغفر له.
(ذلِكَ) إشارة إلى ما دلّ عليه قوله : «ما كان» من النهي عن التخلّف أو وجوب المشايعة (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنّهم (لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) عطش (وَلا نَصَبٌ) تعب (وَلا مَخْمَصَةٌ) مجاعة (فِي سَبِيلِ اللهِ) في الجهاد تقرّبا إلى الله (وَلا يَطَؤُنَ) ولا يدوسون بحوافر خيولهم وأخفاف رواحلهم (مَوْطِئاً) وطأ ، أو مكان وطء (يَغِيظُ الْكُفَّارَ) يغضبهم وطؤهم ، ولا يتصرّفون في أرضهم تصرّفا يضيق صدورهم (وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) كالقتل والأسر والنهب (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) إلّا استوجبوا به الثواب ، وذلك ممّا يوجب المشايعة (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) على إحسانهم. وهو تعليل لـ «كتب» ، وتنبيه على أنّ الجهاد إحسان. أمّا في حقّ الكفّار ، فلأنّه سعي في تكميلهم بأقصى ما يمكن ، كضرب المداوي للمجنون. وأمّا في حقّ المؤمنين ، فلأنّه صيانة لهم عن سطوة الكفّار واستيلائهم.
(وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً) ولو تمرة (وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) في
__________________
(١) في هامش النسخة الخطّية : «الضحّ : ضوء الشمس إذا استمكن في الأرض. منه».