(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) بتأخير الحكم بينهم أو العذاب الفاصل بينهم إلى يوم القيامة ، فإنّه يوم الفصل والجزاء (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) عاجلا (فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) بإهلاك المبطل وإبقاء المحقّ ، ولكنّ الحكمة أوجبت أن تكون هذه الدار للتكليف ، وتلك للثواب والعقاب.
ثمّ حكى سبحانه عن هؤلاء الكفّار فقال : (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) أي : من الآيات التي اقترحوها. وكانوا لا يعتدّون بما أنزل عليه من الآيات العظيمة المتكاثرة التي لم ينزل على أحد من الأنبياء مثلها ، لفرط عنادهم وتماديهم في التمرّد ، وانهماكهم في الغيّ. (فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ) هو المختصّ بعلمه ، فلعلّه يعلم في إنزال الآيات المقترحة من مفاسد تصرف عن إنزالها (فَانْتَظِرُوا) لنزول ما اقترحتموه (إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) لما يفعل الله بكم بجحودكم ما نزل عليّ من الآيات العظام ، واقتراحكم غيره.
ثمّ أخبر سبحانه عن ذميم فعالهم فقال : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ) يريد بالناس الكفّار (رَحْمَةً) صحّة وسعة (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ) كمرض وقحط (إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا) احتيال في دفعها والطعن فيها.
قيل : قحط أهل مكّة سبع سنين حتّى كادوا يهلكون ، ثمّ رحمهمالله بغزارة المطر ، فصاروا يطعنون في آيات الله ، ويكيدون رسوله ويعادونه.
(قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) منكم ، قد دبّر عقابكم قبل أن تدبّروا كيدكم في إطفاء نور الإسلام. وإنّما دلّ على سرعتهم المفضّل عليها كلمة «إذا» المفاجأة الواقعة جوابا لـ «إذا» الشرطيّة. والمكر إخفاء الكيد. وهو من الله تعالى إمّا الاستدراج ، أو الجزاء على المكر. (إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) هذا إعلام للانتقام ، وتنبيه على أنّ ما دبّروا في إخفائه لم يخف على الحفظة ، فضلا أن يخفى على الله تعالى. وعن يعقوب : يمكرون بالياء ، ليوافق ما قبله.