روي : أنّ أهل الطائف كانوا يعبدون اللّات ، وأهل مكّة العزّى ومناة وهبل وأسافا ونائلة ، وكانوا يقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فنزلت فيهم : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ)
لأنّه جماد لا يقدر على نفع ولا ضرّ ، والمعبود ينبغي أن يكون مثيبا ومعاقبا حتى تعود عبادته بجلب نفع أو دفع ضرّ (وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) تشفع لنا فيما يهمّنا من أمور الدنيا أو الآخرة إن يكن بعث. وهذا من فرط جهالتهم ، حيث تركوا عبادة الموجد الضارّ النافع إلى عبادة ما يعلم قطعا أنّه لا يضرّ ولا ينفع ، على توهّم أنّه ربما يشفع لهم عنده.
(قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ) أتخبرونه (بِما لا يَعْلَمُ) وهو أنّ له شريكا. وفيه تقريع وتهكّم بهم. أو هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وما لا يعلمه العالم بالذات المحيط بجميع المعلومات لا يكون له تحقّق. (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) حال من العائد المحذوف في «لا يعلم» أي : لا يعلمه ، مؤكّدة للنفي ، منبّهة على أنّ ما يعبدون من دون الله إما سماويّ أو أرضيّ ، ولا شيء من الموجودات فيهما إلّا وهو حادث مقهور مثلهم لا يليق أن يشرك به (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) «ما» مصدريّة ، أي : عن إشراكهم. أو موصولة ، أي : عن الشركاء الّذين يشركونهم به. وقرأ حمزة والكسائي هنا وفي الموضعين في أوّل النحل (١) والروم (٢) بالتاء.
(وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً) متّفقين على ملّة واحدة ، موحّدين كلّهم على الفطرة. وذلك في عهد آدم عليهالسلام إلى أن قتل قابيل هابيل ، أو بعد الطوفان حين لم يذر الله من الكافرين ديّارا. أو مجتمعين على الضلال في فترة من الرسل. (فَاخْتَلَفُوا) باتّباع الهوى والأباطيل ، أو ببعثة الرسل ، فتبعتهم طائفة وأصرّت اخرى.
__________________
(١) النحل : ١.
(٢) الروم : ٤٠.