والمعنى : يدعو العباد كلّهم إلى دار السلام ، ولا يدخلها إلّا الّذي استرشد فوفّق بالاهتداء ، فإنّ الحكمة الإلهيّة مقتضية أن يوفّق طالب الحقّ ويهديه ، ويخذل المعاند المكابر ويمنع لطفه وتوفيقه عنه.
ثمّ بيّن حال أهل دار السلام فقال : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) المثوبة (الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) وما يزيد على المثوبة تفضّلا ، لقوله : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) (١). وعن عليّ عليهالسلام «الزيادة : غرفة من لؤلؤة واحدة ، لها أربعة أبواب».
وعن ابن عبّاس : الحسنى مثل حسناتها ، والزيادة عشر أمثالها. وعن الحسن : عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف وأكثر. وعن مجاهد : الزيادة مغفرة من الله ورضوان. وعن يزيد بن شجرة : الزيادة أن تمرّ السحابة بأهل الجنّة فتقول : ما تريدون أن أمطركم؟ فلا يريدون شيئا إلّا أمطرتهم. وعن أبي جعفر عليهالسلام : «الزيادة هي ما أعطاهم الله تعالى من النعم في الدنيا ، لا يحاسبهم به في الآخرة».
(وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ) لا يغشاها (قَتَرٌ) غبرة فيها سواد (وَلا ذِلَّةٌ) هوان وأثر كآبة. والمعنى : لا يرهقهم ما يرهق أهل النار ، كقوله : (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) (٢) و (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) (٣).
روى الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ما من عين ترقرقت (٤) بمائها إلّا حرّم الله ذلك الجسد على النار ، فإن فاضت من خشية الله لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلّة».
(أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) دائمون لا زوال فيها ، ولا انقراض
__________________
(١) النساء : ١٧٣.
(٢) عبس : ٤١.
(٣) القلم : ٤٣.
(٤) ترقرقت العين : دمعت.