مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي : قد جاءكم كتاب جامع للحكمة العمليّة الكاشفة عن محاسن الأعمال ومقابحها ، والمرغّبة في المحاسن ، والزاجرة عن القبائح ، والحكمة النظريّة الّتي هي شفاء لما في الصدور من الشكوك وسوء الاعتقاد ، وهدى إلى الحقّ واليقين ، ورحمة للمؤمنين ، حيث أنزل عليهم فنجوا بها من ظلمات الضلال إلى نور الإيمان ، وتبدّلت مقاعدهم من دركات النيران بمصاعد من درجات الجنان. والتنكير في الجميع للتعظيم. وخصّ المؤمنين بالذكر ، وإن كان القرآن عظة ورحمة لجميع الخلق ، لأنّهم الّذين انتفعوا به.
(قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ) بإنزال القرآن. والباء متعلّقة بفعل يفسّره قوله : (فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) أصل الكلام : بفضل الله ورحمته فليفرحوا فبذلك فليفرحوا.
والتكرير لتأكيد التقرير ، وللبيان بعد الإجمال ، وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا. فأحد الفعلين حذف لدلالة الآخر عليه.
ودخلت الفاء لمعنى الشرط ، كأنّه قيل : إن فرحوا بشيء فليخصّوهما بالفرح ، فإنّه لا مفروح به أحقّ منهما. وعن يعقوب : فلتفرحوا بالتاء على الأصل المرفوض.
وعن أبي سعيد الخدري والحسن : فضل الله هو القرآن ، ورحمته هو الإسلام. وعن مجاهد وقتادة وغيرهما : فضل الله الإسلام ، ورحمته القرآن.
وروى أنس عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «من هداه الله للإسلام ، وعلّمه القرآن ، ثمّ شكا الفاقة كتب الله عزوجل الفقر بين عينيه إلى يوم القيامة ، ثمّ تلا : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) إلى آخر الآية».
وروى الكلبي عن أبي صالح ، عن ابن عبّاس : فضل الله رسول الله ، ورحمته عليّ بن أبي طالب عليهالسلام. وهو أيضا مرويّ عن الباقر عليهالسلام.
(هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من حطام الدنيا ، فإنّها منتهية إلى الزوال. وضمير «هو» راجع إلى ذلك. وقرأ ابن عامر : تجمعون ، على معنى : فبذلك فليفرح