والأخرى : النصارى الّذين قالوا : المسيح ابن الله ، فقال : (قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) أي : تبنّاه (سُبْحانَهُ) تنزيه له عن التبنّي ، فإنّه لا يصحّ إلّا ممّن يتصوّر له الولد ، وتعجّب من كلمتهم الحمقاء.
ثمّ علّل لتنزيهه عن الولد بقوله : (هُوَ الْغَنِيُ) فإنّ اتّخاذ الولد مسبّب عن الحاجة الّتي تنزّه الله سبحانه عنها ، لأنّه الغنيّ بالذات مستغن عن جميع الممكنات (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تقرير لغناه (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا) ما عندكم من حجّة بهذا القول. والباء متعلّق بـ «سلطان» ، أو بقوله : «إن عندكم» على أن يجعل القول مكانا للسلطان ، كقولك : ما عندكم بأرضكم موز ، كأنّه قيل : إن عندكم فيما تقولون سلطان. وهذا نفي لمعارض ما أقامه من البرهان ، مبالغة في تجهيلهم ، وتحقيقا لبطلان قولهم.
ثمّ وبّخ وقرّع على اختلافهم وجهلهم ، فقال : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ). وفيه دليل على أنّ كلّ قول لا دليل عليه فهو جهالة ، وأنّ العقائد لا بدّ لها من دليل قاطع ، وأنّ التقليد فيها غير جائز.
(قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) باتّخاذ الولد وإضافة الشريك إليه (لا يُفْلِحُونَ) لا ينجون من النار ، ولا يفوزون بالجنّة.
(مَتاعٌ فِي الدُّنْيا) خبر مبتدأ محذوف ، أي : افتراؤهم متاع في الدنيا يقيمون به رئاستهم في الكفر ، أو حياتهم أو تقلّبهم عن الحقّ متاع. أو مبتدأ خبره محذوف ، أي : لهم تمتّع في الدنيا. (ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ) بالموت فيلقون الشقاء المؤبّد بعده (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) بسبب كفرهم.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ