البشارة في الأصل وظيفة صاحب الشريعة.
(وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً) ما يتزيّن به من اللباس والمراكب ونحوهما (وَأَمْوالاً) وأنواعا من المال (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) دعاء عليهم بلفظ الأمر حين لم يبق له طمع في إيمانهم ، فاشتدّ غضبه عليهم لمّا علم من ممارسة أحوالهم أنّه لا يكون غير الضلال ، فدعا عليهم بما علم أنّه لا يكون غيره ، ليشهد عليهم أنّهم لا يستحقّون إلّا الخذلان ، وأن يخلّي بينهم وبين ضلالهم.
وقيل : اللام للعاقبة ، وهي متعلّقة بـ «آتيت». وقيل : للتعليل ، على أنّهم جعلوا نعمة الله سببا في الضلال ، فكأنّهم أعطوها ليضلّوا.
ويؤيّد الأوّل قوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) أهلكها. والطمس : المحق.
قيل : المراد بالطمس على الأموال تغييرها عن جهتها إلى جهة لا ينتفع بها. قال مجاهد وقتادة وعامّة أهل التفسير : صارت جميع أموالهم بعد ذلك الدعاء حجارة ، حتّى السكّر والفانيذ (١).
(وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي : واقسها واطبع عليها على وجه الخذلان حتّى لا تنشرح للايمان (فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) جواب للدعاء ، أو دعاء عليهم بلفظ النهي ، أو عطف على «ليضلّوا» وما بينهما دعاء معترض. وقرأ الكوفيّون : ليضلّوا من الضلال. وفائدة هذا الدعاء إظهار التبرّي منهم.
(قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) يعني : موسى وهارون ، لأنّه كان يؤمّن فسمّاهما داعيين (فَاسْتَقِيما) فاثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة والزيادة في إلزام الحجّة ، فقد لبث نوح في قومه ألف عام إلّا قليلا ، ولا تستعجلا ، فإنّ ما طلبتماه كائن ولكن في وقته.
روي عن أبي عبد الله عليهالسلام : «أنّه مكث فرعون فيهم بعد
__________________
(١) الفانيذ : ضرب من الحلواء ، فارسيّ معرّب.