الانتقام لك منهم. فأقنطه الله من إيمانهم ، وأعلمه أنّ إيمانهم كالمحال الّذي لا يتعلّق به التوقّع ، ونهاه أن يغتمّ بما فعلوه من التكذيب والإيذاء.
(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) ملتبسا بمرأى منّا ، أي : بحفظنا إيّاك من أن تزيغ في صنعتك عن الصواب ، وأن يحول بينك وبين عملك أحد من أعدائك ، حفظ الرائي لغيره إذا كان يدفع الضرر عنه. وذكر الأعين لتأكيد الحفظ. فعبّر بكثرة آلة الحسّ ـ الّذي يحفظ به الشيء ويراعى عن الاختلال والزيغ ـ عن المبالغة في الحفظ والرعاية ، على طريق التمثيل. (وَوَحْيِنا) إليك ، وإلهامنا لك كيف تصنعها ، فأوحى إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر.
(وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) ولا تراجعني فيهم ، ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم (إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) محكوم عليهم بالإغراق ، فلا سبيل إلى كفّه.
(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) حكاية حال ماضية (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) استهزؤا به لعمله السفينة ، فإنّه كان يعملها في برّية بعيدة من الماء جدّا أوان عزّته ، فكانوا يضحكون منه ويقولون له : صرت نجّارا بعد ما كنت نبيّا (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا) الآن (فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) في المستقبل إذا أخذكم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة (كَما تَسْخَرُونَ) منّا الساعة. وقيل : المراد بالسخريّة الاستجهال.
(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ) في محلّ النصب بـ «تعلمون» أي : تعلمون الّذي يأتيه (عَذابٌ يُخْزِيهِ) يعني به إيّاهم ، وبالعذاب الغرق (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ) وينزل أو يحلّ عليه حلول الدين الّذي لا انفكاك عنه (عَذابٌ مُقِيمٌ) دائم ، وهو عذاب النار.
ويجوز أن تكون «من» استفهاميّة ، وتكون تعليقا.
قال الحسن : كان طول السفينة ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستّمائة ذراع.