الذاريات (١). وهما لغتان ، كحرم وحرام. والمراد به الصلح.
(فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) فما ابطأ مجيئه به ، أو فما أبطأ في المجيء به ، أو فما تأخّر عنه. والجارّ في «أن» مقدّر. والحنيذ المشويّ بالرضف ، وهو الحجارة المحماة في أخدود من الأرض. وقيل : الّذي يقطر دسمه ، من : حنذت الفرس إذا عرّقته بالجلّ (٢) ، لقوله : بعجل سمين.
(فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ) فلمّا راى إبراهيم أيدي الملائكة (لا تَصِلُ إِلَيْهِ) لا يمدّون إلى العجل الحنيذ أيديهم (نَكِرَهُمْ) أنكر ذلك ، فإنّ نكر وأنكر واستنكر بمعنى (وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) وخاف أن يريدوا به مكروها ، وذلك أنّ أهل ذلك الزمان إذا أكل بعضهم طعام بعض أمنه صاحب الطعام على نفسه. وقيل : إنّه ظنّهم لصوصا يريدون به سوء. والإيجاس الإدراك. وقيل : الإضمار.
(قالُوا) له لمّا أحسّوا منه أثر الخوف (لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ) إنّا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب ، وإنّما لم نمدّ إليه أيدينا لأنّا لا نأكل. قيل : إنّهم دعوا الله فأحيا العجل الّذي كان ذبحه إبراهيم وشواه فرغا ، فعلم حينئذ أنّهم رسل الله.
(وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ) وراء الستر تسمع محاورتهم ، أو على رؤوسهم للخدمة (فَضَحِكَتْ) سرورا بزوال الخيفة ، أو بهلاك أهل الخبائث ، أو بإصابة رأيها ، فإنّها كانت تقول لإبراهيم : اضمم إليك لوطا ، فإنّي أعلم أنّ العذاب ينزل بهؤلاء القوم.
وقيل : «فضحكت» من الضحك بفتح الضاد بمعنى : حاضت. يقال : ضحكت الأرنب إذا حاضت. ومنه : ضحكت السمرة إذا سال صمغها. وهي : سارة بنت هارون بن يا حور بن ساروع بن فالع. وهي كانت ابنة عمّ إبراهيم.
(فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) نصب «يعقوب» ابن عامر وحمزة وحفص بفعل يفسّره ما دلّ عليه الكلام. وتقديره : ووهبنا من وراء إسحاق
__________________
(١) الذاريات : ٢٥.
(٢) أي : ألقيت عليه الجلّ وأجريته حتى عرق.