(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) بالتوراة أو المعجزات (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) هو المعجزة القاهرة المخلصة من التلبيس والتمويه على أتمّ وجه. وهي العصا.
وإفرادها بالذكر لأنّها أبهرها. ويجوز أن يراد بهما واحد ، أي : ولقد أرسلناه بالجامع بين كونه آياتنا وسلطانا له على نبوّته ، واضحا في نفسه ، أو موضحا نبوّته ، فإنّ «أبان» جاء لازما ومتعدّيا. والفرق بين الآيات والسلطان المبين : أنّ الآية تعمّ الأمارة والدليل القاطع ، والسلطان يخصّ بالقاطع ، والمبين يخصّ بما فيه جلاء ، كالعصا.
(إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) فاتّبعوا أمره بالكفر بموسى عليهالسلام. أو فما اتّبعوا موسى الهادي إلى الحقّ المؤيّد بالمعجزات القاهرة الباهرة ، واتّبعوا ـ لفرط جهالتهم ـ طريقة فرعون المنهمك في الضلال والطغيان ، الداعي إلى مالا يخفى فساده على من له أدنى مسكة من العقل. وذلك أنّه ادّعى الإلهيّة وهو بشر مثلهم ، وجاهر بالعسف والظلم والشرّ الّذي لا يأتي إلّا من شيطان مارد ، ومثله بمعزل عن الإلهيّة ذاتا وأفعالا.
(وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) مرشد ، أو ذي رشد ، وإنّما هو غيّ محض وضلال صريح. وفيه تجهيل لمتّبعيه حيث شايعوه على أمره ، وهو ضلال مبين.
(يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) إلى النار ، كما كان يقدمهم في الدنيا إلى الضلال.
يقال : قدم ، بمعنى : تقدّم. والمعنى : أنّ فرعون يمشي بين يدي قومه يوم القيامة على قدميه حتّى يهجم بهم على النار ، كما كان يقدمهم في الدنيا يدعوهم إلى طريق النار. (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) ذكره بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه. ونزّل النار لهم منزلة الماء ، فسمّى إتيانها ورودا ، تهكّما. (وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) أي : بئس المورد الّذي وردوه ، فإنّ الورد إنّما يراد لتبريد الأكباد وتسكين العطش ، والنار بالضدّ.
والآية كالدليل على قوله : (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) ، فإنّ من كان هذه عاقبته