(يَوْمَ يَأْتِ) أي : اليوم ، كقوله تعالى : (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ) (١). والمراد بإتيانه إتيان هوله وشدائده ، إذ لولا هذا التقدير لزم أن يكون الزمان ظرفا لنفسه. أو المراد : يأتي الله ، أي : أمره تعالى ، كقوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) (٢).
وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة : يأت بحذف الياء ، اجتزاء عنها بالكسرة.
وانتصب الظرف بـ «أذكر» أو بقوله : (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ) لا تتكلّم بما ينفع وينجي ، من جواب أو شفاعة (إِلَّا بِإِذْنِهِ) إلّا بإذن الله تعالى ، كقوله : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) (٣). وهذا في موقف. وقوله : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٤) في موقف آخر ، فإنّ ذلك اليوم يوم طويل له مواقف ومواطن ، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم ، وفي بعضها يكفّون عن الكلام ، فلا يؤذن لهم ، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلّمون ، وفي بعضها يختم على أفواههم ، وتكلّم أيديهم وتشهد أرجلهم. أو المأذون فيه هي الجوابات الحقّة ، والممنوع عنه ـ في قوله : (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ) ـ هي الأعذار الباطلة.
(فَمِنْهُمْ) الضمير لأهل الموقف. ولم يذكروا ، لأنّ ذلك معلوم مدلول عليه بقوله : (لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ). أو للناس في قوله : (مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ). (شَقِيٌ) وجبت له النار بإساءته (وَسَعِيدٌ) وجبت له الجنّة بإحسانه.
(فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ) وهو إخراج النفس (وَشَهِيقٌ) وهو ردّ النفس. واستعمالهما في أوّل النهيق وآخره. والمراد بهما الدلالة على شدّة كربهم وغمّهم ، وتشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه وانحبس فيه روحه ،
__________________
(١) يوسف : ١٠٧.
(٢) البقرة : ٢١٠.
(٣) النبأ : ٣٨.
(٤) المرسلات : ٣٥ ـ ٣٦.