ما نزل بالأمم الهالكة (لَآيَةً) لعبرة (لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ) يعتبر به عظمته ، لعلمه بأنّ ما حاق بهم أنموذج ممّا أعدّ الله تعالى للمجرمين في الآخرة ، أو ينزجر به عن موجباته ، لعلمه بأنّها من إله مختار ، يعذّب من يشاء ويرحم من يشاء ، فإنّ من أنكر الآخرة وأحال فناء هذا العالم ـ كالفلاسفة ـ لم يقل بالفاعل المختار ، وجعل تلك الوقائع لأسباب فلكيّة اتّفقت في تلك الأيّام ، لا لذنوب المهلكين بها.
ونحو ذلك قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) (١).
(ذلِكَ) إشارة إلى يوم القيامة ، وإن لم يذكر صريحا لكن دلّ عليه قوله : (عَذابَ الْآخِرَةِ) وقوله : (يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ). والتغيير من الفعليّة إلى الاسميّة للدلالة على ثبات معنى الجمع لليوم ، وأنّ الثبات من شأنه لا محالة ، وأنّ الناس لا ينفكّون عن هذا اليوم. فهو أبلغ من قوله : (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) (٢). ومعنى الجمع له : الجمع لما فيه من المحاسبة والمجازاة.
(وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) أي : مشهود فيه أهل السماوات والأرضين بحيث لا يغيب عنه غائب ، فاتّسع فيه بإجراء الظرف مجرى المفعول به. ولو جعل اليوم مشهودا في نفسه لا مشهودا فيه ، لبطل الغرض من تعظيم اليوم وتمييزه عن سائر الأيّام ، فإنّ سائرها كذلك.
ثمّ أخبر سبحانه عن اليوم المشهود ، وهو يوم القيامة ، فقال : (وَما نُؤَخِّرُهُ) أي : ذلك اليوم (إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) إلّا لانتهاء مدّة معدودة متناهية ، على حذف المضاف وإرادة مدّة التأجيل كلّها بالأجل ، من زمان حياتهم إلى المقدّر ، لا منتهاها ، فإنّه غير معدود.
__________________
(١) النّازعات : ٢٦.
(٢) التغابن : ٩.