وصيانة لها من العذاب.
(يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) لكن قليلا منهم أنجيناهم ، لأنّهم كانوا كذلك. ولا يصحّ اتّصال «إلّا» إلّا إذا جعل استثناء من النفي اللازم للتحضيض.
(وَاتَّبَعَ) عطف على مضمر دلّ عليه الكلام ، إذ المعنى : فلم ينهوا عن الفساد واتّبع (الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ) ما انعموا فيه من الشهوات ، واهتمّوا بتحصيل أسبابها ، وأعرضوا عمّا وراء ذلك (وَكانُوا مُجْرِمِينَ) عطف على «اتّبع» أو اعتراض. ومعنى «مجرمين» : كافرين. كأنّه أراد أن يبيّن ما كان سببا لاستئصال الأمم السالفة ، وهو فشوّ الظلم فيهم ، واتّباعهم للهوى ، وترك النهي عن المنكرات ، مع الكفر.
(وَما كانَ رَبُّكَ) وما صحّ وما استقام (لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) اللام لتأكيد النفي. والظلم بمعنى الشرك ، أي : لا يصحّ في حكمته أن يهلك أهل القرى بسبب شركهم (وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) يتعاطون الحقّ فيما بينهم ، ولا يضمّون إلى شركهم فسادا وتباغيا ، كما روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : «وأهلها مصلحون» أي : أنصف بعضهم بعضا ، وذلك لفرط رحمته ومسامحته في حقوقه ، ومن ذلك قدّم الفقهاء عند تزاحم الحقوق حقّ العباد. وقيل : الملك يبقى مع الكفر ، ولا يبقى مع الظلم.
وقيل : معناه : وما كان ربّك ليهلك القرى بظلم منه ، ولكن إنّما يهلكهم بظلمهم لأنفسهم ، كما قال : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً) (١).
وقيل : المعنى لا يؤاخذهم بظلم واحد مع أنّ أكثرهم مصلحون ، ولكن إذا عمّ الفساد وظلم الأكثرون عذّبهم.
__________________
(١) يونس : ٤٤.