(وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) والحال أنّا جماعة أقوياء ، أحقّ بالمحبّة من صغيرين لا كفاية للمهمّات فيهما. والعصبة والعصابة العشرة فصاعدا. سمّوا بذلك لأنّ الأمور تعصب بهم ، أي : تشتدّ. (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) عن طريق الحقّ والصواب ، لتفضيله المفضول ، أو لترك التعديل في المحبّة.
روي أنّه كان أحبّ إليه ، لما يرى فيه من الخصال الحسنة الرضيّة ، والخلال السنيّة المرضيّة ، وكان إخوته يحسدونه ، فلمّا رأى الرؤيا ضاعف له المحبّة بحيث لم يصبر عنه ، فزاد حسدهم حتّى حملهم على التعرّض له.
(اقْتُلُوا يُوسُفَ) من جملة المحكيّ بعد قوله : (إِذْ قالُوا) ، كأنّهم اتّفقوا على ذلك إلّا من قال : لا تقتلوا. وقيل : إنّما قاله شمعون. وقيل : دان ورضي به الآخرون.
(أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) منكورة مجهولة بعيدة عن العمران. وهو معنى تنكيرها وإبهامها ، ولذلك نصبت كالظروف المبهمة. (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) جواب الأمر.
والمعنى : يخلص لكم وجه أبيكم ، فيقبل بكلّيته عليكم ، ولا يلتفت عنكم إلى غيركم ، ولا ينازعكم في محبّته أحد. فذكر الوجه لتصوير معنى إقباله عليهم ، لأنّ الرجل إذا أقبل على الشيء أقبل بوجهه. وقيل : «يخل» يفرغ لكم من الشغل بيوسف.
(وَتَكُونُوا) جزم بالعطف على «يخل» ، أو نصب بإضمار أن (مِنْ بَعْدِهِ) بعد يوسف ، أو الفراغ من أمره أو قتله أو طرحه (قَوْماً صالِحِينَ) تائبين إلى الله تعالى عمّا جنيتم. أو صالحين مع أبيكم ، يصلح ما بينكم وبينه بعذر تمهّدونه. أو صالحين في أمر دنياكم ، فإنّه ينتظم لكم بعد يوسف بخلوّ وجه أبيكم.
واعلم أنّ أكثر المفسّرين على أنّ إخوة يوسف كانوا أنبياء. وقال بعضهم : لم يكونوا أنبياء ، لأنّ الأنبياء لا تقع منهم القبائح. وهذا موافق لأصول مذهب الإماميّة.
وقال علم الهدى قدسسره : «لم تقم لنا الحجّة بأنّ إخوة يوسف الّذين فعلوا به ما فعلوا كانوا أنبياء. ولا يمتنع أن يكون الأسباط الّذين كانوا أنبياء غير هؤلاء الإخوة