ثمّ بيّن سبحانه أنّهم عند اتّفاق آرائهم فيما تآمروا فيه من أمر يوسف ، كيف سألوا أباهم ، فقال : (قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) لم تخافنا عليه؟ (وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) مخلصون في إرادة الخير له والشفقة عليه. وفي هذا دلالة على أنّه عليهالسلام كان يأبى عليهم أن يرسله معهم ، لظهور حسدهم ليوسف عليه ، فأرادوا استنزاله عن رأيه وعادته في حفظه منهم ، لما تنسّم (١) من حسدهم. والمشهور «تأمنّا» بالإدغام مع الإشمام. وعن نافع ترك الإشمام.
(أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) إلى الصحراء (يَرْتَعْ) نتّسع في أكل الفواكه ونحوها ، من الرتعة ، وهي الخصب (وَيَلْعَبْ) بالاستباق والانتضال لقتال العدوّ ، لا لمجرّد اللهو. وإنّما سمّوه لعبا لأنّه في صورته. وقرأ ابن كثير : نرتع بكسر العين ، على أنّه من : ارتعى يرتعي. ونافع بالكسر والياء فيه وفي «نلعب». وقرأ الكوفيّون ويعقوب بالياء وسكون العين ، على إسناد الفعل إلى يوسف. (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) أن يناله مكروه.
(قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) لشدّة مفارقته عليّ ، وقلّة صبري عنه (وَأَخافُ) عليه إن ذهبتم به إلى الصحراء (أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) لأنّ الأرض كانت مذأبة. وقيل : لأنّ يعقوب رأى في منامه كأنّ يوسف قد شدّ عليه عشرة أذؤب ليقتلوه ، وإذا ذئب يحمي عنه ، وكأنّ الأرض انشقّت فدخل فيها يوسف ، فلم يخرج منها إلّا بعد ثلاثة أيّام. وقد همزها على الأصل ابن كثير ونافع في رواية اليزيدي ، وأبو عمرو درجا ووقفا ، وعاصم وحمزة درجا. واشتقاقه من : تذاءبت الريح إذا هبّت من كلّ جهة. (وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) لاشتغالكم بالرتع واللّعب ، أو لقلّة اهتمامكم بحفظه.
(قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) اللام موطّئة للقسم ، وجوابه : (إِنَّا إِذاً
__________________
(١) تنسم فلان الخبر : تلطف في التماسه شيئا فشيئا.