عنادهم وشقاهم ، فقال : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) اللّام لتأكيد النفي ، والدلالة على أن تعذيبهم عذاب استئصال والنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بين أظهرهم خارج عن عادة الله تعالى ، غير مستقيم في قضائه ، لفضله وحرمته. قال ابن عبّاس : إنّ الله تعالى لم يعذّب قومه حتّى أخرجوه من مكّة. وكذا لا يعذّبهم حين الاستغفار عن الذنوب ، لقوله : (وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
والمراد باستغفارهم إما استغفار من بقي فيهم من المؤمنين بعد خروجه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن مكّة ، كما روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا خرج من مكّة بقيت فيها بقيّة من المؤمنين ، ولم يهاجروا لعذر ، وكانوا على عزم الهجرة ، فرفع الله العذاب عن مشركي مكّة لحرمة استغفارهم ، فلمّا خرجوا أذن الله في فتح مكّة.
وهذا منقول عن ابن عبّاس وعطيّة والضحّاك. واختاره الجبائي.
وقيل : معناه : وما كان الله ليعذّبهم بعذاب الاستئصال في الدنيا وهم يقولون : اللهمّ غفرانك ، وإنّما يعذّبهم في الآخرة. أو المراد فرض الاستغفار على معنى : لو استغفروا لم يعذّبوا ، كقوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) (١) أي : لو أصلحوا.
(وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) وما يمنع تعذيبهم متى لم تكن فيهم ، ولم يمكن الاستغفار؟ وكيف لا يعذّبون (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)؟ وحالهم صدّ الناس عنه ، ومن صدّهم عنه إلجاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنين إلى الهجرة ، وإحصارهم عام الحديبية. روي أنّهم قالوا : نحن ولاة البيت والحرم ، فنصدّ من نشاء ، وندخل من نشاء.
(وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) أي : مستحقّين ولاية أمره مع شركهم (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) من الشرك ، الّذين لا يعبدون فيه غير الله تعالى. أو إلّا المتّقون من
__________________
(١) هود : ١١٧.