عن صفات العجز ، والتعجّب من قدرته على خلق مثله في فرط الحسن وغاية الجمال.
وقيل : «حاشا» فعل من الحشا الّذي هو الناحية ، وفاعله ضمير يوسف ، أي : صار في ناحية بعيدة لله تعالى ممّا يتوهّم فيه من عجزه عن خلق جميل مثله. وأمّا قوله : (حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) (١) فتعجّب من قدرته على خلق عفيف مثله.
(ما هذا بَشَراً) لأنّ هذا الجمال غير معهود للبشر. وهو على لغة الحجاز في إعمال «ما» عمل «ليس» ، لمشاركتهما في نفي الحال. (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) فإنّ الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواصّ الملائكة. أو لأنّ جماله فوق جمال البشر ، ولا يفوقه فيه إلّا الملك ، لما هو مركوز في الطباع أنّه لا أحسن من الملك ، كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان ، ولذلك يشبّه كلّ متناه في الحسن والقبح بهما.
(قالَتْ فَذلِكُنَ) أي : فهو ذلك العبد الكنعاني (الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) في الافتتان به قبل أن تتصوّرنه حقّ تصوّره ، ولو تصوّرتنّه بما عاينتنّ لعذرتنّني. أو فهذا هو الّذي لمتنّني فيه ، فوضع «ذلك» موضع «هذا» رفعا لمنزلة المشار إليه.
(وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) فامتنع أشدّ امتناع ، واجتهد في الاستزادة من العصمة طالبا لها. ونحوه : استمسك. أقرّت لهنّ حين عرفت أنّهنّ يعذرنها ، كي يعاونّها على إلانة عريكته. وهذا برهان قويّ على أنّ يوسف بريء ممّا أضاف إليه الحشويّة من همّ المعصية.
(وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ) أي : ما آمر به ، فحذف الجارّ. أو أمري إيّاه ، بمعنى : موجب أمري ، فيكون الضمير ليوسف عليهالسلام. (لَيُسْجَنَنَ) ليحبسنّ في
__________________
(١) يوسف : ٥١.