السجن (وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) الأذلّاء. وهو من : صغر بالكسر يصغر صغرا وصغارا. والصغير من : صغر بالضمّ صغرا.
فلمّا رأى يوسف إصرارها على ذلك وتهديدها له اختار السجن على المعصية (قالَ رَبِّ السِّجْنُ) قرأ يعقوب بفتح السين على المصدر (أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) أي : أخفّ عليّ وأسهل من مواتاتها زنا ، نظرا إلى العاقبة ، وإن كان هذا ممّا تشتهيه النفس ، وذلك ممّا تكرهه. وإسناد الدعوة إليهنّ جميعا لأنّهن خوّفنه من مخالفتها ، وزيّنّ له مطاوعتها ، وقلن له : أطع مولاتك ، فإنّها مظلومة وأنت تظلمها. أو دعونه إلى أنفسهنّ ، لما روى أبو حمزة عن عليّ بن الحسين عليهالسلام : «أنّ النسوة لمّا خرجن من عنده أرسلت كلّ واحدة منهنّ إلى يوسف ـ سرّا من صاحبته ـ تسأله الزيارة».
وقيل : إنّما ابتلي بالسجن لقوله : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ) ، وإنّما كان الأولى به أن يسأل الله تعالى العافية ، ولذلك ردّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على من كان يسأل الصبر.
(وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي) وإن لم تصرف عنّي (كَيْدَهُنَ) في تحبيب ذلك إليّ وتحسينه عندي بالتثبيت على العصمة. فزع منه إلى ألطاف الله وعصمته ، كعادة الأنبياء والصالحين فيما عزموا عليه ووطّنوا عليه أنفسهم ، (أَصْبُ إِلَيْهِنَ) أمل إلى جانبهنّ ، أو إلى أنفسهنّ ، بطبعي ومقتضى شهوتي. والصبوة الميل إلى الهوى. ومنه الصبا ، لأنّ النفوس تستطيبها وتميل إليها. (وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) من السفهاء بارتكاب ما يدعونني إليه ، فإنّ الحكيم لا يفعل القبيح. أو من الّذين لا يعملون بما يعلمون ، فإنّهم والجهّال سواء.
(فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ) فأجاب الله دعاءه الّذي تضمّنه قوله : (وَإِلَّا تَصْرِفْ) ، لأنّ فيه معنى طلب الصرف والدعاء باللطف (فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَ) فثبّته بالعصمة حتّى وطّن نفسه على مشقّة السجن ، وآثرها على اللذّة المتضمّنة للعصيان (إِنَّهُ هُوَ