أملّاك شتّى متعدّدة متباينة ، من حجر وخشب وغيرهما (خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ) المتوحّد بالألوهيّة (الْقَهَّارُ) الغالب الّذي لا يعادله ولا يقاومه غيره؟! والهمزة للإنكار. وهذا مثل ضربه لعبادة الله وحده ولعبادة الأصنام.
(ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ) خطاب لهما ولمن على دينهما من أهل مصر (إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) من حجّة غالبة ، أي : إلّا أشياء باعتبار أسامي أطلقتم عليها ، من غير حجّة تدلّ على تحقّق مسمّياتها فيها ، فكأنّكم لا تعبدون إلّا الأسماء المجرّدة. والمعنى : أنّكم سمّيتم ما لم يدلّ على استحقاقه الألوهيّة عقل ولا نقل آلهة ، ثمّ أخذتم تعبدونها باعتبار ما تطلقون عليها.
(إِنِ الْحُكْمُ) في أمر العبادة (إِلَّا لِلَّهِ) لأنّه المستحقّ لها بالذات ، من حيث إنّه الواجب لذاته ، والموجد للكلّ ، والمالك لأمره (أَمَرَ) على لسان أنبيائه (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) الحقّ الثّابت بالدلائل ، وأنتم لا تميّزون المعوجّ عن القويم.
وهذا من التدرّج في الدعوة وإلزام الحجّة ، لأنّه بيّن لهم أوّلا رجحان التوحيد على اتّخاذ الآلهة على طريق الخطابة ، ثمّ برهن على أنّ ما يسمّونها آلهة ويعبدونها لا تستحقّ الإلهيّة ، فإنّ استحقاق العبادة إمّا بالذات وإمّا بالغير ، وكلا القسمين منتف عنها ، ثمّ نصّ على ما هو الحقّ القويم والدين المستقيم الّذي لا يقتضي العقل غيره ، ولا يرتضي العلم دونه.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) لعدولهم عن النظر والاستدلال ، فيخبطون في جهالاتهم.
ثمّ عبّر رؤياهما فقال : (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما) يعني : الشرابي (فَيَسْقِي رَبَّهُ) أي : سيّده (خَمْراً) كما كان يسقيه قبل ، ويعود إلى ما كان عليه (وَأَمَّا الْآخَرُ) يريد به الخبّاز (فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ).