روي أنّه قال يوسف في تعبير الساقي : أمّا العناقيد الثلاثة فإنّها ثلاثة أيّام تبقى في السجن ، ثمّ يخرجك الملك اليوم الرابع وتعود إلى ما كنت عليه. وقال للخبّاز : بئس ما رأيت ، أمّا السلال الثلاث فإنّها ثلاثة أيّام تبقى في السجن ، ثمّ يخرجك الملك فيصلبك فتأكل الطير من رأسك. فقال عند ذلك : ما رأيت شيئا وكنت ألعب.
فقال يوسف : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) أي : قطع الأمر الّذي تستفتيان فيه ، وهو ما يئول إليه أمركما ، ولذلك وحّده ، فإنّهما وإن استفتيا في أمرين ، لكنّهما أرادا استبانة عاقبة ما نزل بهما.
(وَقالَ لِلَّذِي ظَنَ) أي : علم بطريق الوحي (أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا) كما في قوله تعالى : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) (١) أي : علمت. وقيل : المراد بالظانّ الناجي الّذي هو الشرابي لا يوسف ، فـ «ظنّ» باق على معناه الحقيقي. (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) اذكر حالي عند الملك الّذي يربّيك بأنّي محبوس ظلما كي يخلّصني (فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) فأنسى الشرابيّ أن يذكره لربّه. فأضاف إليه المصدر لملابسته له ، فإنّ الربّ لا يكون فاعلا ولا مفعولا. أو على تقدير : ذكر أخبار ربّه. قيل :
أنسى الشيطان يوسف ذكر ربّه في تلك الحال حين وكل أمره إلى غيره واستغاث بمخلوق. والأوّل أليق بمذهبنا. والاستعانة بالعباد في كشف الشدائد وإن كانت محمودة في الجملة ، لكنّها لا تليق بمنصب الأنبياء ، وتركه أولى.
(فَلَبِثَ) لأجل ذلك (فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) البضع ما بين الثلاث إلى التسع ، من البضع وهو القطع ، كأنّه يقطع من العشرة. وقيل : البضع ما بين الثلاث إلى الخمس. وقيل : إلى السبع. وقيل : لبث في السجن سبع سنين بعد أن كان خمسا.
والأصحّ أن مدّة مكثه في السجن سبع سنين ، فإنّه منقول عن عليّ بن الحسين وأبي عبد الله عليهماالسلام ، ومأثور عن ابن عبّاس.
__________________
(١) الحاقّة : ٢٠.