صالح ، فاذهبوا إليه. فتجهّزوا وساروا حتّى وردوا مصر للميرة (١) ، كما قال عزوجل : (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ) ليمتاروا من مصر كما امتار غيرهم. وكان لا يبيع أحدا من الممتارين أكثر من حمل بعير ، تقسيطا بين الناس. (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) أي : عرفهم يوسف ولم يعرفوه ، لطول العهد ومفارقتهم إيّاه في سنّ الحداثة ، ونسيانهم إيّاه ، وتوهّمهم أنّه هلك ، وبعد حاله الّتي رأوه عليها من حاله حين فارقوه ، وقلّة تأمّلهم في حاله ، ولأنّ الملك ممّا يبدّل الزيّ ويلبس صاحبه من المهابة والاستعظام ما ينكر له المعروف.
وقيل : رأوه على زيّ فرعون عليه ثياب الحرير ، جالسا على سرير ، في عنقه طوق من ذهب ، وعلى رأسه تاج ، فما خطر ببالهم أنّه هو.
وقيل : ما رأوه إلا من بعيد بينهم وبينه مسافة وحجاب ، وما وقفوا إلا حيث يقف طلّاب الحوائج. وإنّما عرفهم لأنّه فارقهم وهم رجال ، ورأى زيّهم قريبا من زيّهم إذ ذاك ، ولأنّ همّته كانت معقودة بهم وبمعرفتهم ، فكان يتأمّل ويتفطّن.
(وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ) والجهاز ما يعدّ من الأمتعة للنقلة ، كعدد السفر ، وما يحمل من بلدة إلى اخرى ، وما تزفّ به المرأة إلى زوجها. والمعنى : ولمّا أصلحهم بعدّتهم ، وأوقر ركائبهم بما جاؤا لأجله (قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) يعني : بنيامين.
والباعث على صدور هذا القول منه ـ على ما قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره (٢) ، والزمخشري في الكشّاف (٣) ـ أنّهم لمّا دخلوا عليه قال : من أنتم وما
__________________
(١) في هامش النسخة الخطّية : «الميرة : الامتيار. وهو ابتياع الغلّات. والميرة : الغلّة التي تطلب. منه».
(٢) لم نجده في تفسيره.
(٣) الكشّاف ٢ : ٤٨٤.