ممّا قضاه عليهم ، فسرّقوا (١) وافتضحوا بذلك ، وأخذ بنيامين بوجدان الصواع في رحله ، وتضاعفت المصيبة على يعقوب (إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) أظهرها ووصّى بها. والاستثناء منقطع ، أي : ولكن حاجة في نفسه ، يعني : إظهار شفقته عليهم ، ودغدغته من أن يعانوا.
(وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) أي : حصل له العلم بتعليمنا إيّاه بطريق الوحي ونصب الحجج ، ولذلك قال : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) ، ولم يغترّ بتدبيره (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) سرّ القدر ، وأنّه لا يغني عنه الحذر. أو لا يعلمون مرتبة يعقوب في العلم ، أو ما ألهم الله أولياءه.
(وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ) ضمّ إليه بنيامين على الطعام ، أو في المنزل.
روي أنّهم قالوا له : هذا أخونا قد جئناك به. فقال لهم : أحسنتم وأصبتم ، وستجدون أجره عندي. فأنزلهم وأكرمهم ، ثمّ أضافهم فأجلسهم مثنى مثنى على مائدة. ولمّا أجلس كلّ اثنين على مائدة وبقي بنيامين وحيدا بكى وقال : لو كان أخي يوسف حيّا لجلس معي ، فأجلسه معه على مائدته ، وجعل يؤاكله. ثمّ قال : لينزل كلّ اثنين منكم بيتا ، وهذا لا ثاني له فيكون معي ، فبات عنده. وقال له :
أتحبّ أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ قال : من يجد أخا مثلك؟! ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل. فبكى يوسف وقام إليه وعانقه.
(قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ) فلا تحزن. افتعال من البؤس ، وهو الحزن. (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) يعمل إخوتنا في حقّنا ، فإنّ الله قد أحسن إلينا وجمعنا.
(فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ) المشربة (فِي رَحْلِ أَخِيهِ) أي : أمر حتّى جعلها في متاع أخيه. وإنّما أضاف الله تعالى ذلك إليه لوقوعه بأمره. روي أنّها
__________________
(١) في هامش النسخة الخطّية : «التسريق إسناد السرقة إلى الغير. منه».