وقيل : كان لأبي أمّه صنم ، فسرقه وكسره وألقاه في الجيف. وقيل : كان في البيت عناق أو دجاجة فأعطاها السائل.
والقول الأوّل أشهر وأكثر ، ومرويّ عن أئمّتنا عليهمالسلام وابن عبّاس والضحّاك والجبائي.
(فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ) فأخفى يوسف تلك الكلمة الّتي قالوها ، أو تلك الإجابة ، أو نسبة السرقة إليه (وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) ولم يظهرها لهم. وقيل : الضمير كناية بشريطة التفسير ، وتفسيرها قوله : (قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) فإنّه بدل من «أسرّها». والمعنى : قال في نفسه : أنتم شرّ مكانا ، أي : منزلة في السرقة ، لسرقتكم أخاكم ، أو في سوء الصنيع ممّا كنتم عليه من ظلمكم على أخيكم وعقوق أبيكم.
وتأنيث هذا القول باعتبار الكلمة أو الجملة. وفيه نظر ، إذ المفسّر بالجملة لا يكون إلّا ضمير الشأن. (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) وهو يعلم أنّه ليس الأمر كما تصفون ، ولم يصحّ لي ولأخي سرقة.
ثمّ رقّقوا في القول واستعطفوه بذكر أبيهم (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً) في القدر أو السنّ (فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ) بدله على وجه الاسترهان أو الاستعباد ، فإنّ أباه ثكلان على أخيه الهالك ، مستأنس به (إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) إمّا متعدّ ، ومعناه : من المحسنين إلينا ، فأتمم إحسانك. أو لازم ، ومعناه : من الّذين عادتهم الإحسان ، فلا تغيّر عادتك.
(قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ) نعوذ بالله معاذا من أن نأخذ ، فأضيف المصدر إلى المفعول به ، وحذف «من» (إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ) هذا كلام موجّه بوجهين ، ظاهره : أنّ أخذ غيره ظلم على فتواكم ، فلو أخذنا أحدكم مكانه (إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) في مذهبكم هذا ، فلا تطلبوا منّي ما تعرفون أنّه ظلم. وباطنه : أنّ الله تعالى أذن في أخذ من وجدنا الصاع في رحله ، لمصلحته ورضاه عليه ، فلو أخذت غيره كنت ظالما عاملا بخلاف ما أمرت به.