وعن المعاصي (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وضع «المحسنين» موضع الضمير للتنبيه على أنّ المحسن من جمع بين التقوى والصبر.
(قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) اختارك وفضّلك علينا بالحلم والعقل والعلم والملك ، وحسن الصورة وكمال السيرة (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) والحال إنّ شأننا أنّا كنّا مذنبين عمدا بما فعلنا معك ، فلا جرم أنّ الله أعزّك وأذلّنا.
(قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ) لا تعيير عليكم. تفعيل من الثرب ، وهو الشحم الّذي يغشي الكرش. ومعناه : إزالة الثرب ، فاستعير للتقريع الّذي يمزّق العرض ويذهب ماء الوجه. (الْيَوْمَ) متعلّق بالتثريب ، أو بالمقدّر للجارّ الواقع خبرا لـ «لا تثريب».
والمعنى : لا أثرّبكم اليوم الّذي هو مظنّة التثريب ، فما ظنّكم بسائر الأيّام؟! أو بقوله : (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) لأنّه صفح عن جريمتهم حين اعترفوا بها.
روي : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخذ بعضادتي باب الكعبة يوم الفتح ، فقال لقريش : ما ترونني فاعلا بكم؟ قالوا : نظنّ خيرا ، أخ كريم وابن أخ كريم ، وقد قدرت. فقال : أقول ما قال أخي يوسف : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ).
(وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فإنّه يغفر الصغائر والكبائر ، ويتفضّل على التائب.
ومن جملة كرم يوسف أنّهم لمّا عرفوه أرسلوا إليه وقالوا : إنّك تدعونا بالبكرة والعشيّ إلى الطعام ، ونحن نستحي منك لما فرط منّا فيك. فقال : إنّ أهل مصر كانوا ينظرون إليّ بالعين الأولى ، ويقولون : سبحان من بلّغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلّغ ، ولقد شرّفت بكم وعظّمت في عيونهم حيث علموا أنّكم إخوتي ، وأنّي من حفدة إبراهيم عليهالسلام.
(اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (٩٣) وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦) قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٩٨))