ولمّا دخلوا مصر عظّمهم وكرّمهم (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) تحيّة وتكرمة له ، فإنّ السجود كان عندهم يجري مجراها. وقيل : معناه : خرّوا لأجله سجّدا لله شكرا. وقيل : الضمير لله تعالى ، والواو لأبويه وإخوته. وهذا مرويّ عن أبي عبد الله عليهالسلام.
وقال عليّ بن إبراهيم : «حدّثني محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين أنّ يحيى بن أكثم سأل موسى بن محمّد بن عليّ بن موسى مسائل ، فعرضها على أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهالسلام ، فكان إحداها أن قال : أخبرني أسجد يعقوب وولده ليوسف؟ فأجاب أبو الحسن عليهالسلام : أمّا سجود يعقوب وولده فإنّه لم يكن ليوسف ، وإنّما كان ذلك منهم طاعة لله وتحيّة ليوسف ، كما أنّ السجود من الملائكة لآدم كان منهم طاعة لله وتحيّة لآدم ، فسجد يعقوب وولده ويوسف معهم شكرا لله لاجتماع شملهم» (١).
(وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) رأيتها أيّام الصبا (قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا) صدقا (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي) يقال : أحسن بي وإليّ ، وأساء بي وإليّ (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) ولم يذكر الجبّ لئلّا يكون تثريبا عليهم (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) من البادية ، لأنّهم كانوا أصحاب المواشي وأهل البدو (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) أفسد بيننا وحرش ، من : نزغ الرائض (٢) الدابّة ، إذا نخسها وحملها على الجري.
(إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) لطيف في تدبير عباده ، إذ ما من صعب إلّا وتنفذ فيه مشيئته ويتسهّل دونها (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بوجوه المصالح في تدابير العباد (الْحَكِيمُ) الّذي يفعل كلّ شيء في وقته ، وعلى وجه تقتضي الحكمة.
روي : أنّ يوسف عليهالسلام أخذ بيد يعقوب فطاف به في خزائنه ، فأدخله خزائن
__________________
(١) تفسير عليّ بن إبراهيم ١ : ٣٥٦.
(٢) الرائض : الذي يعلّم الدوابّ السير ويذلّلها ويطوّعها.